نحو الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد الخامس من رمضان 1431 الموافق 15/8/2010 مات الرجل العملاق الوزير المختلف عن كل الوزراء، الإداري الذي تميز على كل من عرفت من الإداريين، والشاعر الأديب الخطيب الفصيح الذي يكتب كما يتحدث من دون أن يتردد أو يشطب أو يصحح. ولد غازي في اليوم الثاني من الشهر الثالث من عام 1940، فكان في يوم وفاته قد تجاوز السبعين بنحو خمسة أشهر. بهذه الكلمات نعى الدكتور علي الجهني صديقة الدكتور غازي القصيبي قبل 6 سنوات، وهو كما وصفه فعلا - الوزير المختلف عن كل الوزراء -، صادف في ذكرى وفاته أن حصلت على كتابه (في عين العاصفة) الذي كتبه عام 1990م على شكل حلقات يومية، إبان غزو الكويت في التسعينات، وبالطبع كنت قد تابعت بعض تلك الحلقات وقت كتابتها في جريدة الشرق الأوسط، ولكن أتيح لي عبر ذلك الكتاب، الاطلاع مجددا على الوضع بشكل متسلسل، لقد كانت كتابات متميزة من كاتب متميز، لم لا وهو الاديب والشاعر والروائي الدكتور غازي القصيبي، الذي تميز الى جانب تميزه الادبي، بقدرات ادارية قل مثيلها، وظل ذكرها حتى اليوم، وبالعودة الى حلقات الكتاب نشير الى أن القصيبي في كتابه ذكر العديد من القصص التي مرت عليه وهو الوزير الذي عاصر الكثير من القادة والسياسيين، وكذلك احتوى كتابه على العديد من الشواهد التاريخية المختلفة، التي يعرفها باعتباره كاتبا ومثقفا وقارئا، واللافت في الأمر- وهو ما أشار اليه القصيبي رحمه الله - أن مواقف العديد من الدول كانت صادمة بشكل كبير، ولا يمكن الوصول الى مبرر أو تفسيرواحد لذلك الموقف على الإطلاق، فلو وقف البعض على الحياد مثلا، لكن عجيبا، الا أن وقوفهم ضدنا، وضد دول الخليج ودولة الكويت تحديدا، كان مثار استغراب كبير جدا، فاذا كان هجوم صدام واحتلال الكويت وتهديد السعودية، وهما الدولتان اللتان دعمتاه في حربه مع ايران وبقوة، طوال ثماني سنوات، كان مستغربا، فماذا عن موقف بعض الدول العربية وقتها؟ التي دعمت الغزو ووقفت معه تحت مبررات واهية، ماذا عن موقف عرفات والفلسطينيين وموقف الاردن واليمن والسودان؟ أليس مستغربا جدا، ونحن الذين لم نقصر معهم جميعا في الدعم والمساعدة، في مختلف المجالات ومختلف المحافل، كان ذلك الموقف صادما ومحيرا، والتاريخ يحدثنا عن مواقف عديدة صادمة لا يمكن أن يتخيلها الانسان. وماذا يمكن أن يقول القصيبي لو كان معنا اليوم؟ وأي قصيدة سيكتب وهو يرى حالنا؟ وهو يرى من يتشدق بالاسلام، دين السلم والتسامح، يمارس العنف بأسوأ صوره وحالاته، وكُل ذلك باسم الاسلام، والاسوأ من ذلك الهمج الرعاع الذين يؤيدون ذلك الفعل ويناصرونه سرا وعلانية، فيمارسون قتل أبناء وطنهم، بل وأقرب الأقربين لهم من أب وأم، دون أن يرف لهم جفن، ودون وازع من ضمير، وكل ذلك باسم الاسلام أيضا، والاسلام منهم براء، ترى ماذا سيقول الدكتور غازي القصيبي؟ الله أعلم.