مواقع التواصل الاجتماعي تحولت الى حراك له سلبيات تتجه الى أن تتفوق على الإيجابيات، وربما تحولت الى مواقع تقاطع اجتماعي بسبب الشحن والتشاحن بين العضوية التي تتنافر وتتسع مساحات التباعد بينها، في أكثر من سياق اجتماعي أو ديني أو فكري أو سياسي وغيرها، ما يجعلها مشروع تخريب منظم خاصة إذا أضفنا لها القضايا الشخصية في الشتم والقذف وما يستتبع ذلك من تقديمات غير أخلاقية لبعض الأفراد. ذلك يقودنا الى سبب جوهري وهو السطحية وتواضع الوعي الذي كان يفترض أن يكبر من واقع تبادل الآراء والمعرفة والافكار وتنوعها بما يثري عقل المتداولين عبر الحسابات، وليس أن نقدم كما هائلا من الفراغ والسطحية التي تنتهي الى انحرافات فكرية وأخلاقية، ولا ننسى حالات التطرف واستغلال الجماعات المتطرفة لتلك المواقع لاصطياد الشباب والناشئة واستهدافهم بحمم من الفكر الشاذ، لذلك كله فإن التواصل الاجتماعي أصبح خطرا مؤكدا وحقيقيا وليس عاملا لتطوير منظومة الوعي واكتساب المعارف وتكوين العلاقات الناضجة التي ترتقي بالقدرات والفكر الإنساني. قادني لذلك هاشتاقات تطلق وصلت لحد الإسفاف والابتذال، وتكشف عن فراغ ذهني عميق لمن أطلقها أو شارك فيها، وكأن العملية مقصودة لتفريغ اهتمامات الناس من القضايا الكبيرة في الوطنية والعمل الاجتماعي وخدمة الناس، وما يحدث من سحب عضوية المواقع الاجتماعية لأفكار سطحية وغريبة ومبتذلة يعتبر عملية انصرافية متعمدة تدخل في إطار الجريمة الاجتماعية التي تستهدف العقل الاجتماعي والفردي وتحرم الأفراد من حقهم في التطور والحصول على معلومات وآراء وأفكار مهمة وملهمة تدعم قدراتهم وتنمية وعيهم بما يجعل تلك المواقع إيجابية وثرية وليست عامل هدم وتشويه للعقل والفكر. إنها جريمة بكل المقاييس خاصة إذا تكاثر أولئك الذين يقدمون أنفسهم باسماء مستعارة يدخلون غيرهم في متاهات من الأفكار والآراء السلبية غير المجدية ولا تخدم شيئا غير تبلد المشاركين والانحراف بهم الى بئر سحيقة من التضليل والتغييب، ولا يمكن أن نعالج ذلك بإجراءات تتعلق بأمن المعلومات وحسب، وإنما لابد أن يعي كل عضو في تلك المواقع أنه ضحية محتملة إذا وجد نفسه مدفوعا تجاه المشاركة في تبادل آراء حول قضية انصرافية ولا تتفق مع الآداب الاجتماعية والدينية والأخلاقية، أو تتعارض مع الأعراف الإنسانية. هناك كثير من القضايا التي تتطلب طروحات ومناقشات جادة وهادفة تتعلق بأمننا الوطني والاجتماعي والاقتصادي، فيما نجد هاشتاقات تستفز الكثيرين وتحرضهم على المشاركة لإبعادهم عن قضاياهم الرئيسة، والاستجابة لها يعني أن الشخص لا يمتلك الأدوات الضرورية لتمييز الغث من السمين، فماذا لو اتفق الجميع على عدم المشاركة في هاشتاق فارغ وسلبي؟ ذلك يصدم أولئك المختبئين في الظلام ويجعلهم يعيدون حساباتهم بشأن قدرتنا على التعامل مع الدخلاء الذين يعملون بكل قوتهم على تجفيف الوعي، لذلك من المهم أن نبدأ بأنفسنا في تحطيم جدران السطحية والعبث بعقولنا في المواقع الاجتماعية والاستفادة منها في معرفة العالم والعالمين وليس متابعة المنحرفين وأصحاب الأجندة المضللة، فالتضليل أصبح سلاحا يهشم العقول، ويدمر المجتمعات بكل نعومة وسهولة.