افتقدنا من كان له ثقل في أهله وجماعته وكانت له قامة شامخة وقيمة عالية تعلن عن نفسها بقولها: (ها أنا ذا) وحكم عليه القضاء بالرحيل فترك مكانه للفراغ في مثل هذه الحالة.. وترك مكانه ينعاه بحسرة الثكلى ودموع عارفيه وسخونة عيون الباكين عليه في تلك الساعة المليئة بالحزن والاسى والغصة.. في تلك اللحظة وبالفعل يعرف احبابه قيمة وجودة. هذا هو: فهد بن محمد بن علي العطاء ابن الاحساء الذي أول ما لامس جلده الغض تراب الاحساء لحظة ولادته هو تراب الطرف.. كانت آنذاك هي قرية تشعل مصابيحها ليلا بالكيروسين (القاز) وتشرب بساتينها وأهلها من مياه (برابر) القادمة من شرق الهفوف، وإذا صلى أهلها العشاء عادوا واطفأوا سرجهم الى حين وقت صلاة الفجر.. هناك في تلك القرية الحانية على أهلها ولد ابننا الغالي وتعلم علومه الابتدائية.. وانطلق الفتى فهد يصارع الحياة ليضع له بصمة ويتركها تتطلع الى اللحظات التي قاومها وقاومته الى ان تغلب عليها ووضع بصمته على جدار الأيام وتركها. انه الشاب فهد بن محمد بن علي العطاء، نعم انه فهد الذي سخر حبه لوطنه وسخر صحته ونضاله في سبيل ان يرفع مقام ومقدار بلده الكبير (المملكة العربية السعودية).. فهد الذي درس الابتدائية بمدرسة فلسطين بالصالحية وحصل على الثانوية العامة والتحق بالخطوط السعودية بمدينة جدة فعمل في صيانة الطيران الملكي ولمدة سنتين، ثم اينعت هذه الدراسة البسيطة، اينعت ثمرا طيب الطعم، فاكمل دراسته وحصل على البكالوريوس في لوس انجلوس، حيث تخصص في هندسة الكهرباء بالطائرات وزاول هذه المهنة لمدة (12 سنة) لذلك انتخب ممن عملوا على تحديث اسطول الطيران عام 1995م. وما ان جاء عام 98 م حتى قدم على التقاعد المبكر وسلك مسلكا اصعب من السابق فأكمل دراسة الماجستير في تقنية الأقمار الصناعية، ثم عمل في مصانع الطائرات الحربية وبعدها في شركة جنرال متورز في ديترويت، وفي عام 2014 م قدم على التقاعد من الشركة وواصل تعليمه حتى حصل على الدكتوراة، وفي عام 2015 م عين عميدا لكلية الهندسة في ساوث داكوتا الى ان وافته المنية رحمه الله. وعندما سألت عمه الأستاذ عطاء قال: انه توفي هناك ودفن هناك وقام على جنازته مسلمون كثر ممن يعرفونه في هذه الولاية، وترك اثارا تذكر له وتشكر ومما ترك من اثار سيشفع له عند الله تعالى - إن شاء الله - ولا نزكي على الله احدا. لقد ترك رجالا ونساء دخلوا الدين الإسلامي وساعدهم في زيارة بيت الله الحرام معتمرين وحجاجا، وهناك حدث جلل وهو انه بنى لله مسجدا في اوهايو باسم والديه، وهذا المصباح بقي مشعا الى حين ولادة هذه الحروف ومثلما هذه المآثر، له كذلك من الأولاد 3، هم: بندر ونايف ونوح ومن البنات ليلى. هذا هو فهد بن محمد بن على العطاء ابن الطرف التي كانت قرية في الخمسينيات من القرن الماضي الى ان صارت مدينة. لقد غاب عن مسقط رأسه اكثر من ثلث قرن كان خلالها يناضل لبناء نفسه واثبات كيانه فذهب، لكنه عاد بوجه طلق انيق يحبه الله ورسوله - ان شاء الله- لقد بر بوطنه وبوالديه وبأولاده، ومن ثم بر بنفسه، نرجو ان يقال لك يا فهد: ((يا أيتُها النفسُ المُطمئِنةُ ارجِعِي إِلى ربِكِ راضِية مرضِية فادخُلِي فِي عِبادِي وادخُلِي جنتِي)). ان فهدا نعطيه مقابل ما أحسن وما جمع من الحسنات، حبا واحتراما لافعاله ودموعا ساخنة، دموع أسف، ودموع حسرة. اننا ندعو له بالمغفرة والعفو، ولا نقول إلا: «إنا لله وإنا إليه راجعون»... رحمك الله يا أبا بندر.