مضى عهد طويل على فراقكِ حبيبتي .. لذا قررت العودة إليك يا حبي المنشود .. يااا أرض الأحبة والأهل والجدود .. رجعت لأقبل تراب الأخدود، ولأشعر بضمتك الحنون .. مدينتي مدينة الكرم والجود.. فكيف أنت مع من ولد ونشأ وترعرع بك ِ! وأنا الغائبة عنك أعوام وسنين (طيبة الطيبة) كيف أصفك وقد سبقني الكثير بوصف حسن جمالك وبهائك، دوما عروس في ُحلتك البهية مهما قصر الزمن أو طال أهلكِ وناسكِ جواهر براقة غالية الأثمان .. هاقد لاحت لي منائرك الشامخة ولمست احاسيسي ساحة أرض مسجد رسولك الحبيب الساكن فيك، وكلي شوق لزيارته والصلاة في روضته الشريفة، وحنيني لوالديا حيث مرقدهما في جواره بالبقيع .. دخلت المسجد لهفة واشتياقا... تجولت عيناي سريعا بالمكان الشريف، هنا وهناك، يمنة ويسرة، لأختار موضع أصلي فيه، فجأة .. وقع نظري على امرأة طاعنة في السن تأخذ ركنا في أقصى اليمين، فهممت للصلاة بجوارها.. صليت بجانبها صلاة تحية المسجد ركعتين.. هدأت نفسي المشتاقة، وأنا ألتجئ لله عزوجل بالرجاء وبالصلاة على نبيه وحبيبه صلوات الله وسلامه عليه ولوالديا بالدعاء .. اللذين بدأت أشعر وكأني أراهما معي يشاطراني السلام والأمان لم تتمالك دموعي احتباسها .. لمحت المرأة العجوز حاجتي، فما كان منها إلا أن ناولتني بشفقة منديلا وكأنها تقول : أمسحي دموعك بهذا ! ولم يأب فضولها إلا بسؤالي ..؟ عن سبب بكائي المستميت ..! ماذا عساني أقول لها، وقد أصبحت لا أستطيع أن أجد نفسي ..!! أأبكي من قدر ِأبعدني عن أحب البقاع إلى الله.! أم أبكي شوقا وحبا لرسول الله .! أم أبكي والديا اللذين فارقا الحياة وأنسدل الستار .. بمجرد السؤال .. ليعرض علي ذلك المشهد المأسأوي .. حين جاء ملك الموت (بقدر الله) أن يخطف والدي مني ..!! لقد كان في بداية شبابه وكنت وإخوتي صغارا وفي أشد الحاجة إليه .. كان (أب) حنونا عطوفا، كريما سخيا، تتسابق مزاياه التي تختزنها مشاعري منذ الطفولة حتى اللحظة لتعبر عنه .. وأمي أيضا ذات القلب الكبير تركت ورحلت ولم تدع لي غربتي البعيدة فرصة، أن أحضر موكب مئتمها لأقبلها وأودعها الوداع الأخير ماذا أقول لك سيدتي ! ما تشاهدينه قليل من كثير .! قالت : ابنة من أنت ِ؟! ( بكبرياء أستعين به على ضعفي وأنا أكفكف دموعي براحة كفي ) ُقلت : ابنة ذاك الصرح العظيم ، ابنة فلان ... ابن فلان ... رفعت رأسها ونظرت نظرتها الأولى إلي وكأنها تريد أن تلمح آثار شخص تعرفه قالت: أفلان ... أبوك !؟ قلت : نعم أو تعرفيه !؟ قالت : كيف لا أعرفه .! وهو الرجل الشهم الكريم الأمين كنت يا ابنتي على باب الله أرتجي عونا ، فمالي ومال عيالي الأيتام ضائع عند إخوة زوجي المتوفي وكل طامع أخذه ..!! فسخّر الله عزوجل والدك ، ليرجع لنا حقنا المشروع، ولولا ( فضل الله ) ثم هو لضاع أبنائي في وسط الطريق .. أبوك مات ورحل .. لكن أعماله الطيبة باقية تشهد له إلى يوم الدين .. يا ابنتي أبوك رجل فاضل نبيل ، وأمك امرأة فاضلة، أعرفها أيضا عن قرب، امرأة كثيرة الصدقات والمعروف ،،،