يبدو أن ضغط الجنرال ميشال عون على الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصرالله تزايد في الفترة الأخيرة، ما دفع الأخير إلى التلميح بتسوية «حكومية» مقابل «الرئاسية» يكون بطلها حليفه عون. فلقد أراد نصرالله رمي الكرة في ملعب الرئيس سعد الحريري ليتبرأ من تهمة تعطيله وصول عون الى سدة الرئاسة في بعبدا، بعدما ظهر ذلك على الملأ. وبكلام نصرالله في الذكرى العاشرة لحرب تموز أراد أن يوصل الى حليفه رسالة مفادها أنه أتم واجبه على أكمل وجه مع الحريري وقدم له تسوية ملغومة توصله الى رئاسة الحكومة بعد انتخاب عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، إلا ان المضحك المبكي في الأمر أن نصرالله أراد أن «يبيع للحريري ورقة لا يملكها» كون زعيم المستقبل يملك الأكثرية النيابية في البرلمان اللبناني التي تمكنه من الوصول الى رئاسة الحكومة دستوريا وقانونيا، فهل عرض نصرالله مناورة على عون أم من؟ ولم لا يتوجه نصرالله إلى حلفائه لإقناعهم بتأييد عون للرئاسة بدلا من التوجه إلى خصمه السياسي؟ الوقت يداهم «حزب الله» ويرى المحلل السياسي والصحافي يوسف دياب في تصريح ل «اليوم» ان «حزب الله بدأ يستشعر بشأن الرئاسة اللبنانية أن الوقت يداهمه، كونه إذا تم اجتياز رأس السنة ولم ينتخب رئيس في لبنان، أي لم يأت الرئيس الذي يريده «حزب الله» سواء أكان ميشال عون أم الخيار الثاني أي سليمان فرنجية، فسنشهد تغييرا في الخيارات بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أي سنبدأ الكلام عن رئيس لا يكون من 8 أو 14 آذار، وهكذا يكون الحزب قد فقد ورقة الرئاسة الموجودة في جيبه الآن سواء أكان عون أو فرنجية». نصرالله أمام مسارين «رئاسي» و«اقتصادي» ويوضح في سياق حديثه أن خطوة الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصرالله تجاه الرئيس سعد الحريري في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى حرب تموز، «بمثابة» بيعه «المستقبل» وللحريري ورقة لا يملكها، بمعنى أنه يضع «حزب الله» خطا أحمر حيال مجيء الرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كونه يعتبر وصول الحريري الى رئاسة الحكومة يعتبر انتصارا للمملكة العربية السعودية، شارحا أن «السعودية القوة الإقليمية المتحكمة بالسلطة التنفيذية في لبنان، لهذا فهو يسعى إلى انتزاع هذه الورقة من يد قوى 14 آذار أي من يد السعودية، لهذا بدأ يشعر بأن المخاطر التي يضعها على الرئيس الحريري توجب عليه مواجهته بمسارين، المسار الأول: وجود استحالة أن يأتي رئيس للجمهورية دون أن تسمي الأكثرية النيابية سعد الحريري رئيسا للحكومة، كونه يملك حتى الآن الأغلبية النيابية شئنا أم أبينا، المسار الثاني: سيواجه «حزب الله» من الآن حتى نهاية العام الحالي انهيارا اقتصاديا وماليا في البلد بشكل كبير جدا، إن لم تكن هناك شخصية كالرئيس الحريري في رئاسة الحكومة التي بإمكانها أن تعيد جزءا من الثقة الاقتصادية للبلد، فإذا انهار الاقتصاد في الفترة المقبلة، فستحمل البيئة الشعبية في لبنان بغالبيتها «حزب الله» مسؤولية هذا الانهيار، ولهذا فان الوقت يداهم الحزب وليس لديه ملاعب خلفية يلعب فيها ويناور فيما خص الرئاسة والحكومة، لهذا نجده اليوم يخشى من أن تداهمه مسألة الرئاسة الأمريكية التي ستفرض مسارات جديدة في لبنان، ومسألة أن يستمر لبنان على هذا النحو دون حكومة ورئاسة أولى وتنهار البلاد، وهو ليس بإمكانه أن يتحمل هذه التبعات وحده، فالجميع سيحمله مسؤولية الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي والشلل في مجلس النواب. وقال دياب: «خطوة نصرالله تجاه الرئيس الحريري جدية كونه يريد إعادة تجربة عام 2009، بمعنى ان ليس لدي مانع أن أفاوض على ان يكون سعد الحريري رئيسا للحكومة، لكن يجب أن أفرض برنامج الحكومة الذي أريده، أي أن يفرض بيانا وزاريا تحت معادلة «شعب، جيش، مقاومة» وان يفرض كذلك على الحكومة تشريع سلاحه، وتغطية قتاله في سوريا، وهذا الأمر الذي لن يحصل، لذلك بإمكاننا القول: إن «حزب الله يبيع ورقة رئاسة الحكومة التي لا يملكها» لهذا حتى لو أتى الرئيس الحريري أو أي تركيبة حكومية جديدة ضمن قوى 14 آذار فهي لن تعطي ما يطمح اليه «حزب الله» لهذا نجده يناور ويفاوض تحت عنوان «أعطوني رئاسة الجمهورية أعطيكم رئاسة الحكومة» كأنه يقول: إن «رئاسة الجمهورية ومجلس النواب بحوزته وأفاوضكم على الحكومة» وهو بذلك يسعى الى الخروج منتصرا بكل الأحوال، فإذا أتى برئيس جمهورية يتحكم في القرارات والمراسيم التي يوقعها ويتحكم في البيان الوزاري للحكومة وبالمرسوم تشكيل الحكومة كأنه أخذ كل شيء، لهذا فهو «يبيع ورقة ليست ملكه». المصالحة مع التنظيمات الإرهابية! وحول الجزء المخصص بكلامه عن مصالحة مع «داعش» اعتبر المحلل السياسي ان خطابه ل «داعش» والتنظيمات المسلحة أظهرت أمرا لافتا، فللمرة الأولى لم يسم المجموعات المسلحة تنظيمات إرهابية، لا.. بل ذهب نصرالله الى أبعد من ذلك. فلقد تجنب مخاطبة الجيش الحر الذي يعتبر المعارضة المعتدلة، فالفصائل المعتدلة في سوريا تجنب الحديث معها حسن نصرالله لا، بل ذهب الى أبعد من ذلك في مخاطبته «داعش» وجبهة «النصرة» المصنفين تنظيمات ارهابية قبل أن تبدل «النصرة» اسمها الى جبهة «فتح الشام». فلقد قال: إنه مستعد لأن يضع يده في يد التنظيمات التي يعتبرها إرهابية وعلى عداء معها، لانه يعتقد أن المرحلة بدأت تتغير، وهناك أمر يحدث في المنطقة، حتى المقربين من «حزب الله» يقولون: إن «الساحة السورية لم تعد ملعبا للايراني وحده أو للروسي أو لحزب الله»، فالتقارب الروسي التركي الايراني يدل على ان الحلول السياسية بدأت تنضج في المنطقة، واليوم «حزب الله» يريد مخاطبة جمهوره وعليه البحث عن مبرر، فهو يريد القول: إنه قدم حتى الآن ما يقارب ألف قتيل من «حزب الله» في سوريا، وتمكن من تطويع التنظيمات المسلحة من خلال هذا القتال، وتمكن من جرها الى الساحة التي يريدها أي أن تسلم سلاحها وتوقف القتال وتعطي ورقة مفاوضة للنظامين السوري والايراني لا يحلمان بها. وأضاف دياب: «إذا كان نصرالله صادقا في دعوته فهي متأخرة جدا، كما انه لا يقول: تفضلوا كي نفاوض، بل يقول كما يقول بشار الاسد: «تفضلوا يا جماعات مسلحة ارموا سلاحكم وسلموا انفسكم وسأعفو عنكم أو افاوضكم، في الوقت الذي سيأخذهم الى الذبح» لهذا لا أحد يصدقه ولا حتى الشعب السوري، كون برنامج «حزب الله» أبعد من ذلك، فهو يسعى الى أخذ ما عجز عن أخذه بالسلاح والقتال، رغم التدخل الايراني والقوة الروسية بكل أساطيلها لم تتمكن من تغيير شيء لا.. بل تمكنوا من المحافظة على المكتسبات التي كانت بحوزتهم التي يخسرها النظام و«حزب الله» اليوم، كمناطق حلب الغربية رغم القوة الجوية الروسية التي لم تترك حجرا فوق حجر، لذلك اليوم يحاول الأخذ بالمفاوضات ما عجز عن أخذه بالسلاح والقوة. «حزب الله» أمام معضلة العودة من سوريا واكد دياب أن «حزب الله» اليوم أمام معضلة العودة من سوريا، بأي طريقة ووجه سيعود لأنه -على ما يبدو- تركيبة الحل السياسي اقتربت، وهذا الحل السياسي كيفما كانت تركيبته سيكون على حساب نظام بشار الاسد الذي كان يقاتل عنه «حزب الله» بدافع حماية ظهر المقاومة وحماية لبنان وسلاحه. لقد انقطع هذا الجسر اليوم الذي يشكل جسر عبور من ايران الى لبنان عبر سوريا، وزاد: «إيران ستأخذ حصة في المفاوضات لا أعلم مدى حجمها وتأثيراتها، بينما أرى أن «حزب الله» هو الخاسر الاول، بالاضافة الى كل الميليشيات التي قاتلت بجانب النظام بأمر إيران». وختم: «أعتقد ان المرحلة المقبلة هي مرحلة تحميل المسؤوليات ل «حزب الله»، واليوم الطائفة الشيعية أمام معضلة كبيرة جدا، كيف ستواجه البيئة التي تعيش معها في لبنان بعدما حصل جو عدائي معها؟ وكيف ستؤسس لمرحلة مقبلة مع الشعب السوري، الذي كانت تشارك باسم الشيعة مع «حزب الله» في قتل الشعب السوري، لهذا اعتقد انه في هذه المرحلة هناك الكثير من الأسئلة، واتصور ان أجوبتها غير متوافرة حتى الآن». نصرالله: إيجابيون بشأن رئاسة الحكومة بعد انتخاب الرئيس وكان نصرالله، قد قال في الذكرى العاشرة لحرب تموز 2006: «الواضح في لبنان أن الجميع ينتظر ما سيحصل في المنطقة، رغم أن الأمور في أيدينا. اللبنانيون قادرون على أن يحسموا مسائلهم وقضاياهم، الجميع متفق على أن المفتاح هو انتخاب رئيس جمهورية، موضحا أن الالتزام بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، كان قبل حرب تموز. جاءت حرب تموز لتؤكد أن هذا الالتزام صحيح نتيجة موقف العماد عون». وأضاف: «اننا منفتحون وإيجابيون فيما يتعلق برئاسة الحكومة المقبلة بعد انتخاب الرئيس، اكتفي بهذا القدر». وفي شأن الحرب بسوريا، قال نصرالله: «ستستغربون أن أوجه خطابا لداعش ولجبهة النصرة ولكل هذه الجماعات التي مازالت تقاتل في سوريا وفي العراق، وفي اليمن مازالت تقاتل، وفي ليبيا مازالت تقاتل، وفي سيناء مازالت تقاتل، لأقول لهم: إذا كانوا مازالوا يسمعون الصوت، إذا كان مازال هناك مكان في عقلهم، هناك القليل من العقل، هناك إمكانية تأمل قليلا، ياجماعة أنتم تم استغلالكم خلال خمس سنوات لتدمير محور المقاومة ولتدمير شعوب المنطقة ولتدمير آمال هذه المنطقة ليقوم على أنقاضها أنظمة ضعيفة خانعة، عميلة، خاضعة للأمريكي والإسرائيلي، إذا عندكم حقا مازال هناك شيء من الإسلام، هناك شيء من الحب للنبي هناك شيء من العلاقة بالقرآن الكريم. أوقفوا هذا القتال لمصلحة أمريكا في المنطقة، أوقفوا هذا القتال، ألقوا هذا السلاح، نتكلم بمصالحات، نتكلم بتسويات، يا جماعة اجلسوا فقط فكروا قليلا، ستكتشفون أنه تم استغلالكم، وأنه آن وقت حصاد بعضكم وهو داعش وحصاد الباقين آت عندما لا يعودون بحاجة لهم».