نشرت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الماضية مشهدا عن التلفزيون الألماني لمجموعة من الإعلاميين يحاورون مسلما ألمانيا يدعى عبدالكريم: هل تنأى بنفسك وتتبرأ من الهجوم الإرهابي؟ (كانوا يقصدون هجوم باريس). وعندما سألهم عن أي هجوم؟ أجابوه: هجوم باريس، فقال إنني أبعد عن باريس مسافة 700 كيلو. فقالوا: ولكنك مسلم؟ فوجه الحديث نحوهم قائلا: هل أدنتم الإرهابي النرويجي المسيحي الذي كان عضوا في جماعة فرسان المعبد المسيحية، وأنتم مسيحيون؟ فأجاب أحدهم: ولكني مسيحي معتدل. وأضاف إنه لا توجد ميليشيات مسيحية إرهابية. فرد عليه عبدالكريم: ماذا عن جماعة كوني، الذي ينشر عصابته المسيحية في أوغندا وتقوم جماعته بقتل الأطفال واغتصاب النساء. فأجاب: وما علاقة ذلك؟ فرد زميله: إن جماعة كوني تسعى لإقامة دولة دينية تتخذ من الوصايا العشر مرجعية لها. وعلق زميل آخر إنهم مجموعة يتخذون الدين لتبرير القتل والإرهاب، فهل يجب على كل مسيحي أن يتبرأ كل مرة من هؤلاء؟ فخاطب أحد المقدمين زميلته قائلا: يجب عليك وأنت مسيحية أن تتبرئي من ذلك العمل. فردت هي بالقول: إذًا يجب عليكم أنتم معشر الرجال أن تتبرؤوا من الأعمال الفظيعة التي قام بها الرجال. فرد زميلها: هل يجب علي أن أتبرأ من عمل قام به بضعة ملايين من الرجال من جملة سكان العالم؟ عندها سأل عبدالكريم: أنتم ألمان فهل تبرأتم من جرائم النازية؟ عندها أنهى النقاش أحد المقدمين بالقول انه بمجرد وقوع جريمة فردية ما، في موقع معين فلماذا نتهم مجموعة واسعة بتلك التهمة!!؟ تلك الرسالة الجميلة التي أراد مقدمو البرنامج، وأراد التلفزيون الألماني أن يقدمها لنا. لا يجوز أن نعمم الاتهام لجهة ما بسبب عمل قام به عدد قليل ينتمي إليها، لذا نقول ليس من الدين ولا المنطق ولا القانون أن نعمم الاتهام أو نطلب البراءة من شخص باعتباره ينتمي إلى مجموعة أكبر، كما طلب مقدمو التلفزيون الألماني من المسلم عبدالكريم في بداية اللقاء، فالدين يقول «ولا تزر وازرة وزر أخرى» فالقرآن صريح في هذا الموقف ولا يقبل تجاوز ذلك تحت أي عذر، كما أن المنطق يقول إن من عمل عملا هو مسؤول عنه ولا يمكن القبول بمحاسبة غيره بدلا عنه، بغض النظر عن القرابة بينهما، كما أن العقل يقول إن اتهام الكل بجريرة البعض لا ينفع بل يضر، والمطلوب العكس، وهو التقليل من حجم الضرر ورقعته، من اجل محاصرته وإلغائه، لذلك لا يمكن القبول باتهام دين أو مذهب أو قبيلة أو جنس بجريرة عمل قامت به ثلة قليلة ينتمي لها، ويحضرني في هذا السياق ما حدث قبل عقود، عندما هرب طياران سعوديان بطائرتهما إلى العراق، وعندما التقى مسؤول سعودي كبير بعوائل الطيارين، طلب منهم أن يقدموا اسمين لشابين من قبيلتهم ليحلوا محل الطيارين الهاربين، فهو يريد أن يقول إن تصرف أحد أفراد القبيلة لا يؤثر أبدا على القبيلة بكاملها. إننا في الوقت الذي نرفض أن يتهمنا الآخرون بجريرة قيام مجموعة تنتمي إلى ديننا بعمل مشين، بل ونرفض مطالبتنا بموقف من منطلق الالتقاء معم في الديانة، فعلينا أن لا نقع نحن في الخطأ نفسه الذي نرفضه من غيرنا وبالله التوفيق.