تستغل المنظمات الإرهابية الأخطاء التي يرتكبها الآخرون لتقفز عليها وتكسب من خلالها التعاطف؛ بحجة أنها تدافع عن الإسلام! وفي البدء لا بد من التأكيد على أن الغيرة على الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الكريم وعلى شعائر الدين الإسلامي شأن إسلامي عام؛ فلا يمكن أن يرضى مسلم بالتطاول على الرموز الإسلامية؛ فضلاً أن يؤيد أو يشجع من يقترف جريرة المساس بالرسول أو القرآن أو قيم الإسلام وتشريعاته الأخلاقية العظيمة، وفي ظلال هذه المشاعر الأليمة التي تكتنفنا تجاه أية إساءة يرتكبها رسام أو كاتب أو روائي، وتنشرها مجلة أو صحيفة تسعى التنظيمات الإرهابية المتطرفة إلى اختطاف الموقف لصالحها والسعي من خلاله إلى كسب تعاطف جماهير جديدة تشيد بما أقدمت عليه تلك التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش اللتين أعلنتا تبنيهما ما حدث في باريس من أعمال إرهابية ارتكبها أفراد ينتمون إلى ذلك التنظيمين! وكأن النتيجة المنطقية أنه يستحيل أيضاً ألا يرضى مسلم وألا يصفق أو يدعو لمن قام بالهجوم على مجلة « شارلي ايبدو» الفرنسية؛ لنشرها رسوماً مسيئة، من أجل إيقاف حملتها على الإسلام وللانتقام للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي خضم هذا التعاطف والتشجيع ممن قد ينساق وراء العواطف ربما تُنسى غايات وأهداف التنظيمين الإرهابيين «القاعدة وداعش» وما يرتكبانه من جرائم في الوطن العربي؛ كاليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها، إلى كثير مما حدث في العالم أجمع من حوادث إرهابية أساءت للإسلام وللمسلمين. إن السعي إلى كسب التعاطف بالهجوم على من يسيء للإسلام لا يمكن أبداً أن ينسي من الذاكرة الحارة الساخنة ما ترتكبه داعش من إراقة لدماء الأبرياء في سوريا والعراق وكردستان باسم الدفاع عن الإسلام؛ فما هي الجناية التي جنتها تلك الشعوب كي تنتقم منها داعش؟! ما هي المواقف المسيئة للإسلام التي ارتكبتها شعوب وطوائف وأصحاب ديانات مختلفة عاشت في ود وسلام قروناً طويلة مع المسلمين واستظلت بعدالة الحكم الإسلامي طوال العهود الطويلة السابقة لهذه المرحلة المتوترة الثائرة التي يسعى فيها المتطرفون إلى إيقاد الفتن وخلق البؤر الملتهبة والصراع المحتدم الذي لا يهدأ في البلدان العربية والإسلامية والعالم أجمع، والخاسر بطبيعة الحال هم نحن المسلمين والعرب لا غيرنا! ما ذنب الأزيديين والمسيحيين والصابئة والأكراد كي تقتلهم داعش وتهجرهم وتستولي على أملاكهم؟ بل ما ذنب القبائل العربية « السنية « التي امتنعت عن مد أيديها إلى هذا التنظيم الإرهابي ورفضت مبايعته ثم تتبعها بقتل المئات منهم؛ كقبائل الشعيطات وآل أبو نمر وغيرهم؟! ما ذنب أولئك المنومين في مستشفى «العرضي» بصنعاء كي يهجم عليهم أفراد من «القاعدة» بالقنابل ويقتلوا المرضى المسنين وغيرهم ويلحقوا بهم الطواقم الطبية كاملة بلا رحمة أو شفقة؟! هل يخفى على أي متابع جرائم النحر والقتل الجماعي وإرهاب الآمنين وبيع السبايا وانتهاك الحرمات في المواطن التي وطأتها أقدام التكفيريين في سوريا والعراق؟! هل يمكن أن تجير المنظمتان الإرهابيتان تلك الأفعال بأنها دفاع عن الإسلام؟ أو أنها تسعى من خلالها إلى خدمة المسلمين ورفع رايتهم؟! وإذا كان أي عاقل لا يمكن أن يقبل ما أشرت إليه من جرائم؛ فإنه من المنطقي أيضاً ألا يقبل من ذلك التنظيمين الإرهابيين ما يتوسل به لاكتساب مشروعية وارتداء مسوح الأتقياء والقديسين بارتكاب حماقات إجرامية في عواصم عالمية كما حدث في باريس تجر على الإسلام والمسلمين من المصائب والتضييق والمحاصرة والحرب الإعلامية والنفسية أكثر بكثير مما ادعى وزعم الإرهابيون رده من إساءة! لو سوغنا ما ارتكبته القاعدة من إجرام عن طريق فرعها في اليمن وباركته داعش؛ فإن العالم كله سينقلب فجأة إلى حمم من نار ولهب؛ كون المنظمتين تريان العالم كله يسبح في بحر من الخطيئة!