منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بياته شتريتر: لا يمكن فهم الآراء الدينية الفكرية بمعزل عن إطارها الزمني!
نشر في الحياة يوم 12 - 02 - 2013

وصف هذه السيدة بالقسيسة هو وصف جزء من هذه الإنسانة، فهي مشرفة دراسية على معلمي التربية الدينية المسيحية البروتستانتية، لكنها قررت أن تقوم أيضاً بالتدريس، حتى تظل علاقتها بالطلاب والطالبات مستمرة، وحتى لا تحكم على المعلمين، من دون أن تعرف واقعهم المدرسي، حصلت على شهادة جامعية عالية في اللاهوت المسيحي، لكنها حصلت أيضاً على الدكتوراه بمرتبة الشرف في علوم السياسة، كانت أول من أسس الحوار الإسلامي المسيحي، بعد ما تعرضت له أكاديمية الملك فهد في بون من حملة إعلامية قاسية، وزوجها أيضاً قسيس ومعلم.
في الحديث معها تشعر بخبراتها المتنوعة في البرلمان الألماني، وفي المدرسة الألمانية في القاهرة، وفي العمل الكنائسي مع اللاجئين السياسيين والمهاجرين، تقول كلاماً يثير الدهشة أحياناً، ويدعو للتأمل أحياناً أخرى، ولكنه دوماً يتسم بالعمق.
تقول إنها لا تعارض أن تتزوج ابنتها بشاب مسلم، لأن ذلك سيكون إثراء للعائلة، وترى أن بابا الفاتيكان يحصل على اهتمام مبالغ فيه، وتذكر أنها وجدت في الأكاديمية مواطنين سعوديين يمثلون بلادهم بصورة مشرفة.
توضح علاقة المسيحيين باليهود، وسبب اختلافهما في علاقتهما بالمسلمين، وتتحدث عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وعن موسى عليه السلام وعن القرآن وعن الله بآراء لم نعهدها من قبل، لكن الحوار يبدأ بمعرفة الآخر، أليس المرء عدو ما يجهل؟
الإسلام ليس معترفاً به كدين في ألمانيا، فهل الكنيسة هي التي تعترض على الاعتراف به أم أن لذلك أسباباً سياسية؟
- لا يمكن القول بأن الإسلام ليس معترفاً به في ألمانيا كدين، فالمسلمون يتمتعون بحرية العقيدة التي يضمنها لهم الدستور الألماني، ويستطيعون بناء المساجد، ويمكنهم أن يمارسوا شعائر دينهم في الحياة العامة، المشكلة أن الوضع القانوني للحصول على صفة (جماعة دينية) لا يتطابق مع الهياكل الإسلامية القائمة.
ألا تكفي 50 عاماً من الوجود الإسلامي في ألمانيا، للتوفيق بين الهياكل الإسلامية والأوضاع القانونية؟
- في هذه الغضون، نرى أن الاتحادات الإسلامية تسعى من جانبها للتوصل إلى هياكل، تجعل منها طرفاً معتمداً للحوار، ونرى ذلك مثلاً في مسألة إعداد مناهج تربية إسلامية.
أي أن الإسلام ليس أقل مكانة من الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية؟
- الإسلام معترف به، ولكن الشكل القانوني هو المشكلة، وهي عملية تسير حالياً في الاتجاه الصحيح.
المسلمات والحجاب
في كتاب من تأليفكِ أيدت حق المسلمات في ارتداء الحجاب في ألمانيا، فهل تنطلقين في ذلك من دوافع إنسانية أم من دوافع دينية؟
- لا أستطيع أن أفصل بينهما، انطلقت أولاً من حقوق الإنسان، أرى أن ارتداء الحجاب أمر يكفله الدستور في إطار حرية العقيدة، ومن الضروري أن يلقى الجميع هنا المعاملة نفسها، علاوةً على ذلك فإنني كمسيحية، أتفهم أن يلتزم الإنسان بشعائر دينه، وأرى ضرورة احترام ذلك وتقديره.
ماذا يمثل الإسلام للألمان؟ هل ترون أنه دين سماوي أم هو مجرد نمط حياة مثل البوذية والزرادشتية؟
- أعتقد أن معظم الألمان ينظرون إلى الإسلام باعتباره ديناً، ولكن هناك الكثير من الأحكام المسبقة بين الناس ترجع إلى عدم المعرفة، بسبب الصورة التي تنقلها لهم وسائل الإعلام التي تربط الإسلام دوماً بحركات سياسية أو جماعات متطرفة، ما تسبب في شعور الكثير بالمخاوف من الإسلام، ولذلك تجد أنهم يتخذون موقفاً رافضاً لهذا الدين.
بعد أحداث 11 من سبتمبر، صرّح أحد أعضاء الحزب المسيحي الديموقراطي بالبرلمان الألماني أنه لا يقبل من الآن فصاعداً اعتبار إله المسلمين هو إله المسيحيين نفسه، فما رأيك في هذا القول؟
- في الدراسات اللاهوتية المسيحية هناك نقاش حول ذلك الأمر، وعما إذا كانت تصورات المسلمين والمسيحيين عن الإله متطابقة، أم أن هناك اختلافاً كبيراً بينها، لأننا نؤمن مثلاً أن المسيح هو أحد مكونات عقيدة الثالوث، وهو ما لا يؤمن به المسلمون، ولكن هناك رأي آخر في الكنيسة، يرى بأن الإله واحد، سواء عند المسلمين أم المسيحيين، على رغم اختلاف العقيدة، فكلا الرأيين له من يؤيده.
هل تتفهمين إصرار المسلمين على خصوصية وضع المملكة؟
- إنني أستمع لمبررات حول خصوصيتها، ولكنني لا أتفق مع ذلك.
لكنك تتفهمين عدم إمكان وجود كنائس بالقرب من الحرم المكي أو الحرم المدني. أليس كذلك؟
- نعم، أتفهم ذلك بالنسبة إلى هاتين المدينتين، مكة والمدينة، بسبب الوضع الخاص لهما، وهو مفهوم جداً بالنسبة إليّ، لأن ذلك يشبه الحديث عن بناء مسجد بجوار الفاتيكان، ولكن من ناحية المبدأ لا بد أن تسمح كل دولة في العالم لأتباع كل دين أن يمارسوا شعائر دينهم، وهو يسري أيضاً على المسيحيين المقيمين في المملكة خارج هاتين المدينتين، أجد أنه لا بد من إيجاد إمكان لذلك.
ماذا تتوقعين من مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والحضارات المقام في العاصمة النمسوية فيينا؟
- أعتقد أننا نحتاج إلى حوار على جميع المستويات، وأرى أنه مهم للغاية أن يكون هناك حوار بين علماء الدين، لأن ذلك سيكون له انعكاساته على المجتمعات، ولكنه لا يكفي وحده، لأن الحوار اللاهوتي يقتصر على مجموعة صغيرة للغاية، إننا نحتاج أيضا إلى حوار للحياة اليومية، أعتقد أن المدارس تلعب دوراً مهماً في هذا الإطار، لأن المدرسة هي المكان الأول الذي يجتمع فيه أطفالنا معاً، إذ يدرسون ويتعارفون، ويمكن وضع النواة لمستقبل علاقة تقوم على الاحترام المتبادل، وأن يتعارفوا على بعضهم بعضاً.
صورة الإسلام في التعليم
ما صورة الإسلام في الكتب المدرسية لمادة التربية الدينية المسيحية البروتستانتية؟
- في الكتب الدراسية القديمة، كانت هناك محاولة لتصوير الإسلام باعتباره ديناً غريباً وارداً من خارج ألمانيا، لكنه يركّز على تقديم معلومات صحيحة عن الإسلام، مثل أركان الإسلام الخمسة، وأسس العقيدة الإسلامية، لكن الكتب الحالية، تتناول الإسلام بصورة مختلفة، ترى فيها صوراً لأطفال مسلمين يعيشون بيننا، وهم يتحدثون عن دينهم الذي تعلموه من والديهم، إننا نحاول عرض الإسلام كدين من داخل المجتمع، وليس وافداً من الخارج.
هل يتعلم الطلاب في المدارس الألمانية تقبل ما هو موجود في الكتاب المدرسي كما هو، أم يطرحون كل شيء للنقاش والنقد؟
- إننا نلتزم في علم تربية تدريس المواد الدينية بهذه النقطة الجوهرية، وهي ضرورة اكتساب الطلاب القدرة على الحكم على الأشياء بأنفسهم، ولكنهم يتعلمون أيضاً حاجتهم إلى وجود قاعدة معرفية، حتى يتمكنوا من إصدار أحكام صحيحة، إن التفكير النقدي والمواقف الذاتية التي يستطيع صاحبها أن يبررها هي مهارات أساسية تقوم عليها مناهجنا الدراسية.
وماذا عن الطلاب المسلمين الذين يحضرون حصص التربية الدينية المسيحية، هل من حقهم تبني آراءً مخالفة؟
- طبعاً، مع ضرورة التنبيه إلى أن مادة التربية الدينية اختيارية إلا في المدارس التابعة للكنيسة، أي أن الطالب الذي يحضر هذه المادة يحضرها بناء على رغبته، لأن القانون الألماني يسمح له من سنّ 14 عاماً أن يقرر ديانته، وقبل هذه السنّ، يمكن لولي الأمر أن يرفض حضوره في حصة التربية الدينية المسيحية، المهم أن هذه الحصص لا يجوز أن تسعى إلى التبشير، بل إن ذلك ممنوع قانونياً.
هل يمنع القانون معلم التربية الدينية المسيحية من نشر تعاليم دينه في الصف؟
- نعم، لأن قوانين التعليم تحوي مادة اسمها (منع الإجبار)، وهو لا يقتصر على مادة التربية الدينية وحدها، بل يشمل مواد أخرى مثل العلوم الاجتماعية، والمقصود أنه لا يجوز للمعلم أن يحاول فرض رأيه على الطلاب، بل لا يجوز له أن يعرض رأيه باعتباره الرأي الوحيد الصحيح، لا بد أن يقبل بالتعددية، وأن يترك المجال مفتوحاً أمام الطلاب، ليكون لكل واحد منهم رأيه المستقل، وأن يقبل بالآراء الأخرى.
كنتِ أول من أسس الحوار الإسلامي المسيحي في «بون»، بعد الحملة الإعلامية التي تعرضت لها أكاديمية الملك فهد فيها، فهل تشعرين بنتائج ملموسة لهذا الحوار؟
- أعتقد أن الهياكل التي قامت بعد هذه المبادرة، تسهم في التواصل بين الأطراف، وهذا أهم ما في الأمر، كما أن أكاديمية الملك فهد أصبحت شريكاً موثوقاً فيه، وداعماً لهذه الجهود، وأصبح الألمان يدخلون الأكاديمية لحضور الندوات والمحاضرات ومختلف الأنشطة، وتأكدوا مما يحدث في داخلها، وتيقنوا أن الحوار مع العاملين فيها ممكن، أعتقد أن الكثير قد تحقق، والسيدة التي تولت العمل بعدي واصلت هذه الاتصالات مع الأكاديمية ومن فيها، ولم تعد الأكاديمية غريبة عن محيطها.
تعتبر الكنيسة الكاثوليكية أنها الطريق الوحيد للوصول إلى الله، فهل تنظر الكنيسة الكاثوليكية إلى الكنيسة البروتستانتية التي تنتمين إليها باعتبارها فئة ضالة أم باعتبارها طريقاً آخر يوصل أيضا إلى الله؟
- ترى الكنيسة الكاثوليكية أنها الوحيدة التي تستحق صفة كنيسة، لأنها تستمد أصولها مما يعرف في اللاهوت باسم (الخلافة الرسولية)، أي أنها المؤسسة الوحيدة التي ترتبط بالمسيح مباشرة، ولذلك فهي تصف البروتستانت باعتبارهم جماعة دينية وليست كنيسة.
... جماعة دينية مسيحية؟
- نعم طبعاً، ويعتقدون بأننا نؤمن بالإله نفسه، لكن المشكلة أن الكاثوليك يؤمنون بأنه لا يمكن أن تكون هناك سوى كنيسة مسيحية واحدة، مع أن الواقع التاريخي يشهد بعكس ذلك، فقد كانت هناك دوماً كنائس مسيحية متعددة. وهم في ذلك مثل طوائف أخرى في مختلف الأديان، ترى أنهم وحدهم الذين على الحق.
هل يمكن أن ننتظر نحن المسلمون أي نتائج إيجابية من الحوار مع الكاثوليك، إذا كانوا لا يقبلون بالاعتراف بالبروتستانت كأصحاب كنيسة مسيحية مثلهم؟
- نعم، يمكنكم انتظار نتائج إيجابية من الحوار مع الكاثوليك، لأني تعلمت من تجاربي أن هناك فرقاً بين ما يرد في البيانات الرسمية لكنيسة روما، وما يصدر عن بابا الفاتيكان من ناحية، وما يقوم به الكثيرون من الكاثوليك في الحوار بين الأديان، فهناك كاثوليك مؤمنون بالحوار ونشطون فيه للغاية.
فمثلاً في أسقفية كولونيا، توجد جمعية مسيحية إسلامية، يهيمن عليها الكاثوليك، وإن كان فيها بعض البروتستانت، وقاموا بإنجازات ملموسة، مثل إقامة مركز طوارئ للرعاية النفسية عند المسلمين، إنهم أطراف جادة، يعتد بها.
أنتقل إلى الحوار بين المسلمين وكنيستك البروتستانتية، كيف يمكن فهم النقد اللاذع الذي وجّهه مؤسس المذهب البروتستانتي مارتن لوثر لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وللعقيدة الإسلامية كلها؟
- أعتقد أنه لا يمكن فهم هذه الآراء بمعزل عن إطارها الزمني، لقد صدرت عنه هذه الأقوال في وقت كانت جيوش الأتراك المسلمين على أبواب «فيينا»، أي أن الإسلام كان يمثل تهديداً حقيقياً في ذلك الوقت، علماً بأن لوثر قال أيضاً أشياء شنيعة عن اليهود، ولكننا لا نؤمن بصحة هذه الآراء اليوم، على رغم أهمية كتاباته من الناحية اللاهوتية لمرحلة الإصلاح البروتستانتي التي ما زالت تحتفظ بأهميتها حتى اليوم، لكن الآراء المرتبطة بالفترة الزمنية لا يمكن فهمها إلا في ذلك السياق، علماً بأنه مثلاً لا يشكك في أن المسلمين يؤمنون بالإله نفسه الذي يؤمن به المسيحيون.
هل يمكن القول بأن المسيحية في الغرب غير المسيحية في أميركا اللاتينية أو في أفريقيا أو عند العرب؟
- أعتقد أن الشعائر المسيحية مرتبطة بثقافة كل منطقة، فالمسيحيون في مختلف مناطق العالم يمارسون شعائر عبادتهم بطرق مختلفة، فإذا ذهبت إلى قدّاس في كنيسة في أفريقيا أو عند الأقباط في مصر أو في الغرب، ستجد هذا القدّاس متأثر بالثقافة السائدة في المجتمع.
الدين والعلمانية
هل معنى ذلك أن هيمنة روح بدائية أو عدوانية أو متحضرة في مجتمع ما تنعكس على فهمه للدين وطريقته في تطبيقه؟
- طبعاً، لا يمكن للمرء أن يمارس شعائر دينه بطريقة مختلفة عن طريقة حياته وأسلوب معيشته، ويجب أن ينظر الإنسان إلى الأمر من وجهة النظر التاريخية، دعني أشير إلى أن نشأة حقوق الإنسان والحرية والديموقراطية بدأت في الغرب من خلال الصراع ضد الكنيسة الكاثوليكية، فنشأت بعدها التيارات العلمانية التي أخذت أشكالاً متطرفة في فرنسا مثلاً، لأنها كانت تهدف إلى تقويض الكنيسة.
أما بالنسبة إلى البروتستانت فقد كانوا يميلون دوماً إلى الفكر الناقد، حتى إذا تعلق الأمر بالمفاهيم الدينية، ولذلك نجد الكنيسة البروتستانتية تجعل الفرد هو محور الاهتمام، وتركّز على حرية الاعتقاد، والمسؤولية الفردية للإنسان أمام الله من دون وساطة من قسيس أو بابا على عكس المفاهيم الكاثوليكية، كل ذلك أسهم في أن أصبحت المسيحية في الغرب بهذا الشكل، وأسهمت في انتشار مفاهيم الحداثة، وأرى أننا نعاني اليوم من العلمانية.
ماذا تقصدين بالمعاناة من العلمانية؟
- أقصد أن الكثيرين لم يعودوا يقبلون على الكنائس، ويديرون ظهورهم للدين، ولهذا الأمر عواقبه المزدوجة.
أريد أن أسألك بصراحة: هل تبيع الكنيسة مبادئها حتى يرضى عنها المجتمع الغربي؟ هل توافق الكنيسة على الزواج المثلي والكثير من القضايا المبدئية حتى لا تفقد أتباعها؟
- أعتقد أن الأمر عكس ذلك، السؤال هو كيف تكون ردود فعلنا على القضايا والتطورات التي يشهدها المجتمع، إذ لا بد للكنيسة أن تحدد مواقفها من ذلك، هناك قضايا أعلنت فيها الكنيسة رأيها بمنتهى الوضوح، مثل قضية ما يعرف باسم (الموت الرحيم)، - أي إيقاف الأجهزة المتصلة بالمريض الذي لا يرجى شفاؤه - ومسألة فحص الأجنة، أما بالنسبة إلى موضوع الزواج المثلي فإن الكنيسة تراعي نتائج الأبحاث العلمية في تقويمها للأمر.
البعض يستخدم مصطلح أوروبا المسيحية، ويقول إن القيم السائدة في الغرب مسيحية، فهل توافقين على تلك الرؤية؟
- إنني لا أتفق مع اعتبار هذه القيم مسيحية، بل هي قيم كونية، فمثلاً مبدأ حب الآخرين ومساعدتهم موجود أيضاً في الإسلام بالدرجة من الأهمية نفسها، وكذلك احترام الآخرين، وكل ما يطلق عليه (قيم مسيحية)، حتى المبادئ السياسية مثل حقوق الإنسان التي يمكن القول بأن لها جذور وأصول في الديانة المسيحية، لكن هذه الجذور يمكن أن تجدها أيضاً في الأديان الأخرى، إنني أرفض الحديث عن اعتبار القيم الأخلاقية نابعة من المسيحية وحدها.
هل المجتمع الألماني مجتمع مسيحي؟
- أعتقد أن المجتمع الألماني متأثر بالمسيحية من الناحية الثقافية، ولكن المجتمع الألماني هو مجتمع تسود فيه التعددية، تتمتع فيه الكنائس بمكانة مهمة، ولكن ذلك لا يبرر القول بأنه مجتمع مسيحي.
هل هناك فصل بين الدين والدولة في ألمانيا؟
- نعم، هناك فصل بينهما، لكن ألمانيا ليست دولة علمانية مثل فرنسا، بل هي دولة تلتزم بالحيادية تجاه الطوائف الدينية، ويجب عليها أن تضمن حرية العقيدة، ولكن الدولة لديها ما يمكن تسميته ب(الحيادية الإيجابية)، لأن الطوائف الدينية هنا تسهم في القيام بالمهمات الاجتماعية، تبعاً لمبدأ تقاسم السلطات، إذ تنقل الدولة بعض المهمات إلى المؤسسات الاجتماعية المختلفة ومن بينها الكنائس.
هل تتولى الكنائس إعداد المنهاج الدينية للمدارس العامة؟
- لا، الدولة هي التي تقوم بإعداد المناهج التعليمية، لكن ذلك يكون بالتعاون مع الكنائس، ومن حق الكنائس أن تعترض على بعض المضامين، ويجري تعديل المناهج، حتى يتم الوفاق حول المضامين، لكن الإشراف يظل في يد الدولة.
لو سألك طالب في حصة التربية الدينية المسيحية عن محمد صلى الله عليه وسلم، هل ستقولين له إنه نبي أم ستقولين إنه شخص عربي اخترع ديناً جديداً اسمه الإسلام، كما ترد في كثير من المصادر الألمانية؟
- لن أقول أبداً إنه اخترع ديناً جديداً، بل سأقول إنه في رأي المسلمين نبي جاء برسالة من عند الله، وإننا كمسيحيين ننظر إليه باحترام وتقدير.
الأنبياء والمسيحيين
... لكن ما الرؤية المسيحية له؟
- لا نستطيع كمسيحيين أن نطلق عليه صفة نبي، ربما يمكننا القول بأن الرسالة التي أبلغها للناس فيها الكثير من الحقيقة التي نشترك معه فيها، ولكننا لا نستطيع مثلاً أن نتقبل ما يرد في القرآن عن المسيح، لأنه يتناقض مع عقيدتنا، ولكن على رغم ذلك يمكننا القول بأن الحقيقة الإلهية ليست حكراً على المسيحية، ويمكن أن تأتي من مصادر أخرى.
وكيف يرى المسيحيون موسى عليه السلام، هل هو نبي بالنسبة إليكم؟
- أعتقد أن مصطلح النبوة عندنا في المسيحية مختلف عنه في الإسلام، إننا نؤمن أن موسى مرسل من الله، ولكنه ليس نبياً، ففي المسيحية ليس آدم ولا نوح أنبياء على عكس الإسلام.
لكن موسى عليه السلام نزلت عليه التوراة التي هي جزء من عقيدتكم، أليس كذلك؟
- التوراة جزء من العهد القديم، ولكن موسى جاء لتحرير بني إسرائيل من مصر، كما أوضحت العقيدة المسيحية، ليس موسى نبياً.
هل علاقة المسيحيين باليهود مثل علاقتهم بالمسلمين أم أن هناك روابط عقائدية تجعل اليهود والمسيحيين أقرب لبعضهم من الإسلام؟
- دائماً تتعرض الكنيسة للاتهام بأن شعورنا بالذنب من جراء الهولوكوست هو السبب في علاقتنا الوثيقة باليهود، ولكن ذلك ليس صحيحاً، الهولوكوست كان هو الدافع لإعادة النظر في اللاهوت المسيحي، وتبيّن لنا أننا كنا طوال قرون نلتزم في اللاهوت المسيحي بالاعتقاد بأن الكنيسة حلّت محل اليهود الذين كانوا شعب الله.
والمقصود بذلك أن الكنيسة كانت تؤول لنفسها كل ما جاء في العهد القديم عند الحديث عن شعب الله، وترى أن المسيحية هي الدين الأحدث والأفضل من اليهودية، وأنها الأقدر على الوفاء بما ورد في الكتاب المقدس، ولكننا حالياً ننظر إلى اليهودية باعتبارها جذور عقيدتنا المسيحية التي من دونها لا نستطيع فهم ديننا، هذه هي الجذور اللاهوتية التي تربطنا باليهود، وهي تختلف بالتالي عن علاقتنا بالإسلام، خصوصاً أن عيسى كان يهودياً.
حسناً، تشعرون بهذا القرب تجاه اليهود، فكيف ينظرون هم إليكم؟
- في اليهودية آراء عدة، ولذلك لا بد أن نحدد عن أية جماعة من اليهود نتحدث، عموماً الفرق بين المسيحيين واليهود أننا نرى أن عيسى هو المسيح في حين لا يوافق اليهود على ذلك، وما زالوا ينتظرون قدوم المسيح.
معذرة، هل يعترف اليهود بأنكم أصحاب دين سماوي؟
- يمكن القول إننا نمثل لهم جماعة ضلت دينها، لأننا لا نشاركهم عقيدتهم.
أي ينظر اليهود إليكم كما كان مارتن لوثر ينظر إلى المسلمين بأنهم جماعة ضلت، لأنها لا تتبع دينه، أليس كذلك؟
- نعم، يمكن أن ينظر الإنسان دوماً إلى الأمر من منظور آخر.
اسمحي لي أن أطرح عليكِ سؤالاً شخصياً، أنت قسيسة وزوجك قسيس، ماذا تفعلين إذا فكرتْ ابنتُك في الزواج من شاب مسلم؟
- سيسعدني ذلك، إذا كان الشاب لطيفاً، ولن أعترض على ذلك أبداً، وسأجده شيئاً جميلاً، لأنه سيكون إثراء للأسرة.
أكاديمية بون
حسناً، تعاملت مع الكثير من السعوديين في أكاديمية الملك فهد في بون، فما أكثر ما أعجبك فيهم؟ وما أكثر ما ضايقك؟
- لا أستطيع أن أتذكر أي شيء ضايقني منهم، كل المدراء السعوديين الذين عرفتهم في الإطار الذي كنا نتقابل من أجله، كانوا دوماً قادرين على الحوار ومرحبين به، كانوا منفتحين على الآخر، كانوا كرماء، يدعمون الحوار بصورة كبيرة، وكانوا يحترمون المواعيد، كنت سعيدة بالعمل معهم، وأرى أنهم أعطوا صورة جيدة عن المملكة، وأذكر منهم الدكتور سعيد الرفاعي.
تسعى الأكاديمية إلى الاهتمام باللغة الألمانية، وتدريس معلومات من دروس الاجتماعيات الألمانية، فهل أخذت انطباعاً بأن خريج الأكاديمية قادر على الاندماج في المجتمع الألماني، وعلى الالتحاق بالجامعة في ألمانيا من دون معوقات؟
- لا أعرف بدقة ما يدرسه طلاب الأكاديمية من مناهج، وأعرف أنهم مضطرون بعد التخرج من الأكاديمية، لإجراء اختبار في اللغة الألمانية ثم الالتحاق بالكلية التحضيرية، حتى يتمكنوا بعد ذلك من الالتحاق بالدراسة الجامعية.
وأتمنى أن تستطيع الأكاديمية التوصل إلى صيغة أخرى، تجعلها أقرب إلى النظام التعليمي الألماني، بحيث يلتحق الخريج بالجامعة مباشرة، خصوصاً أن الطلاب الذين تعرفت عليهم في الأكاديمية ممتازون علمياً ومجتهدون وقادرون على الدراسة في الجامعة.
تتحدث وسائل الإعلام الألمانية عن بون باعتبارها مرتعاً للجماعات الإسلامية المتشددة، فهل تشاركين هذا الرأي؟
- نعم، أعتقد أن هناك الكثيرين من أتباع هذه الجماعات في منطقة بون، ولكن من الصعب القول بأنهم يرتادون مساجد بعينها، هم يعيشون بكثافة هنا.
هل تسعى الكنائس إلى إقامة حوار معهم أيضاً؟
- لا أعتقد أنه يمكن التواصل معهم من خلال الحوار، هناك مسلمون كثيرون يتبنون توجهات محافظة، يمكن الحوار معهم، لكن هذه الجماعات التي تعنيها تجتذب الشباب بآرائها المتشددة، لها هياكل تشبه الفرق الدينية المنشقة عن الجماعة، ولا أعتقد أنه يمكن تحقيق أي تفاهم معهم، لأنهم يتمسكون بآرائهم بشدة، ولا يقبلون بقواعد الحوار.
الحركات الدينية
تناولتِ في بحثكِ للدكتوراه الحركات الدينية - السياسية، فهل ترينَ أن حركة مثل حماس أو الإخوان المسلمين حركة دينية أم سياسية؟
- أرى أنهما حركتان سياسيتان، هما تتبنيان أيدولوجيات أو برامج سياسية، لكنها تقوم على تصورات دينية، وهو أمر ليس غريباً عليناً، ففي ألمانيا يوجد الحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم الذي انبثق عن حزب كاثوليكي، ولكن القضية الأهم تتعلق بما إذا كانت هذه الحركات تسعى إلى تحقيق أهداف دينية داخل المجتمع أم أهداف سياسية، وهل هي قادرة على الفصل بين الأمرين إذا كان ذلك ضرورياً؟ هذا هو السؤال الجوهري.
ألا تعتقدين أن هناك فرقاً بين الإخوان المسلمين والحزب المسيحي الديموقراطي، لأن الحزب الألماني مستعد للتعاون مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي في الحكم، في حين أنه من المستبعد أن يفعل الإخوان ذلك؟
- نعم، عندك حق، هناك فرق في هذه النقطة، والسؤال المهم يتعلق بقدرة هذه الحركات على الاندماج في العملية السياسية، وهل تسمح بالتعددية والتنوع؟ لأنها من دون ذلك ستبتعد عن الديموقراطية، وتصبح شكلاً من الديكتاتورية.
أنتِ درستِ حركة الإخوان، وعملت في المدرسة الألمانية في مصر، وتعرفين الحركة جيداً، وهي الآن في السلطة، فماذا تتوقعين منها؟
- أعتقد أن الإخوان سيدركون الآن بعد أن وصلوا إلى السلطة صعوبة الحياة السياسية اليومية، وأرى أن هناك كثيراً من المشكلات في مصر، لا علاقة لها بالدين، ولا بإجراءات دينية، إنني آمل وأتمنى أن يتمسك الإخوان بالنقطة الإيجابية الأساسية فيهم، وهي بعدهم عن الفساد، وقدرتهم على تأمين الحاجات الاجتماعية للناس.
أتمنى أن يدركوا أن الأيدلوجيات لا تغير في الأمر شيئاً، وأنه لا بد من استيعاب مكونات المجتمع كافة من ليبراليين وأقباط وغيرهم، وأرى أن واجب الغرب أن يقدم يد العون في مشاريع مباشرة وعملية، مثل دعم التعليم ومساعدة الاقتصاد، ولكن الغرب لن يقدّم هذه المساعدات، إذا كان نمط الحكم غير ديموقراطي وحر.
المسيحيين والظلم
يرسم البعض صورة للمسيحيين بأنهم أكثر ضحايا التمييز في العالم، فلماذا هذا السعي إلى لعب دور الضحية، وماذا يريدون تحقيقه من وراء ذلك؟
- أعتقد أنه في الحقيقة هناك العديد من الدول التي يعيش فيها المسيحيون في خطر، ويتعرضون للاضطهاد بسبب دينهم، ولكني أرفض في الوقت ذاته استغلال ذلك كوسيلة ضغط سياسية، المهم من وجهة نظري احترام حقوق الإنسان لكل الناس، بغض النظر عن دينهم.
ولا بد من التدخل لوقف أي اضطهاد لأتباع أي دين، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين، إننا نتابع ما يتعرض له بعض المسيحيين في بعض الأماكن من العالم، ولا يجوز أن يتحول الأمر إلى تبادل الاضطهاد، فيقوم مسلمون بحرق الكنائس والاعتداء على المسيحيين، كما شاهدنا في بعض الدول الأفريقية أو إندونيسيا، عموماً من المهم التأكيد على أن من يقوم بهذه الأعمال هي مجموعات صغيرة، ولا يتحمل الدين مسؤولية ذلك.
هل تعتقدين أن المذهب البروتستانتي هو الطريق الوحيد إلى الله؟
- لا، لكن الكنيسة البروتستانتية هي عقيدتي ولا أتصور أن أتبع كنيسة أخرى أو أن أعتنق ديناً آخر، أعتقد أنه ينبغي علينا أن نترك الأمر بيد الله ليحكم فيه كل ما نقدر عليه كأتباع الأديان المختلفة، وأن نفعل أفضل ما نقدر عليه في داخل الطائفة الدينية التي ننتمي إليها.
هل يعني ذلك أنكِ لا ترين ضرورة لأن نسعى بشدة إلى نأخذ بيد الآخرين في الطريق الذي نؤمن بأنه الطريق الوحيد الموصل إلى الجنة؟
- لا أوافق على ذلك، وعندنا في الإنجيل ما معناه، أننا ننظر الآن في مرآة مظلمة، ولكننا يوم القيامة سنرى الحقيقة، إنني أؤمن أننا لا نملك من المعرفة إلا القدر القليل، ولا أتصور أن الإله هو رب أتباع دين واحد، وأن من حق دين واحد أن يحتكر الحقيقة المطلقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.