ثارت ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، بسبب هروب فتاة سعودية من أسرتها التي تواجدت في تركيا للسياحة إلى جورجيا بعد ادعائها أن والدها يقوم بتعذيبها ويمارس أبشع أنواع العنف بحقها، وبغض النظر عن دقة التفاصيل والادعاءات في هذه الحادثة، فهي ليست إلا قضية جديدة تضاف إلى عدد كبير من قضايا التعنيف الأُسري التي سمعنا عنها في الآونة الأخيرة بفضل نشاط الشبكات الاجتماعية، وهذه القضايا موجودة في السابق بالتأكيد، لكن تسليط الضوء عليها إعلامياً قد يوحي بأنها باتت ظاهرة في السنوات الأخيرة، غير أننا لا نملك معلومات دقيقة حول العنف الأُسري الموجه للأبناء أو للزوجات، إذ لا تتوافر إحصائيات دقيقة، ونادراً ما نجد مؤسسات معنية برصد هذا النوع من القضايا، واجتراح حلول في مواجهتها. قبل ذلك، لا يوجد تعريف دقيق للتعنيف الأُسري، سواءً بحق الأطفال أو النساء، كما لا يوجد اهتمام بالحد من هذه الممارسات، فلا التوعية والتثقيف يحصلان بشكل كافٍ، ولا توجد قوانين تحد من جموح المُعَنِّفين واندفاعهم. من خلال قصص تعنيف سابقة، خاصة ضد النساء، نجد أن المؤسسات التي تُقَدَّم إليها الشكوى إما تُعطِّل هذه الشكوى، بحجة ضرورة إحضار ولي الأمر، وهو غالباً المعتدي في هذه الحالات، أو تقوم هذه المؤسسات بدور المصلح الاجتماعي، فتصالح بين المعتدي والمعتدى عليه لتستمر الأزمة، وفي أفضل الأحوال، تقوم هذه المؤسسات بأخذ تعهد على المعتدي بعدم تكرار فعلته، دون عواقب جدية في حال عودته إلى هذا الفعل. في غياب القوانين، لا تلام هذه المؤسسات كثيراً، إذ إنها لا تتمكن من ممارسة دورها بحماية من يتعرضون للعنف، في غياب إرشاد قانوني، فالمسألة متروكة للاجتهادات الشخصية، وهي غالباً لا تثمر شيئاً ولا تنقذ أحداً ولا تردع معتدياً. من هنا، تظهر ضرورة سن قوانين صارمة في مواجهة التعنيف، تضع حداً فاصلاً وواضحاً بين التأديب والإيذاء، وتشمل أنواع الإيذاء، وتحمي الفئات المعرضة للعنف من بطش المُعَنِّفين، لأن المسألة لا يمكن أن تترك دون رادع قانوني. ولا يعني هذا إهمال التثقيف والتوعية بخطورة التعنيف النفسية والجسدية، وآثاره على الفرد المُعَنَّف، وعلى التماسك العائلي، بل إن التثقيف لابد أن يسير جنباً إلى جنب مع القانون الرادع؛ لتحصل مواجهة حازمة للتعنيف. هروب الفتاة يجب أن يدق ناقوس الخطر، ويستنفر المجتمع وأجهزة الدولة، لمواجهة هذا النوع من السلوكيات والممارسات، الذي يُنتِج أزماتٍ وأمراضاً صحية واجتماعية، أو هروباً كاملاً من مصدر المشكلة.