حينما تناقلت وكالات الأنباء العالمية نبأ حصول امرأة من الشرق الاوسط على لقب أشجع امرأة في العالم، لفت انتباه هذا الخبر العديد من المتابعين، وحينما تبين أنها سعودية عمت الأفراح ربوع الوطن، وجاءت التهاني من كل مكان، لترد الطبيبة السعودية مها المنيف التي حصلت على هذا اللقب على عبارات التهاني ب «الشكر أولا لرب العالمين، والتقدير والامتنان للقيادة الرشيدة» في المملكة الحبيبة أن جعلت لنا صوتا ينبئ العالم بمآثرنا، ويحدثه عن انجازاتنا.ولقب أشجع امرأة في العالم الذي حصلت عليه الدكتورة المنيف تحت مسمى جائزة «الشجاعة الأمريكية للدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة والتقدم الاجتماعي»، المقدمة من وزارة الخارجية الأمريكية، تم منحه إلى تسع نساء في العالم، إضافة إلى الدكتورة المنيف، التي تحمل البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة الملك سعود، إضافة إلى البورد الأمريكي في مجال طب الأطفال ومكافحة العدوى، وعلم الوبائيات، وكذلك البورد الأمريكي في إيذاء الأطفال وعضو الجمعية الأمريكية لطب الأطفال. «اليوم» أجرت حوارا مع د. المنيف حول الجائزة، وبرنامج الامان الاسري، وحزمة من القضايا الاجتماعية. فقالت «عملت في هذا المجال منذ سنوات ليس من أجل التكريم، وإنما لإيماني بأن القضية شائكة وتحتاج إلى جهود كبيرة من أجل تغيير مفاهيم المجتمع نحو الأمر، إضافة إلى رغبتي في خدمة الضحايا سواء الأطفال أم النساء». وأكدت أن الجائزة لم تكن مفاجئة لها، حيث يوجد العديد من السعوديات اللاتي حصلن على الكثير من الجوائز العالمية في مجالات مختلفة. وأضافت «أهدي هذه الجائزة لجميع الأطفال والنساء الذين يعانون العنف في العالم حيث أستمد الشجاعة منهم كل يوم». وتأتي هذه الجائزة كخطوة لتعزيز مكافحة العنف الأسري وكذلك العنف ضد الأطفال، وقد عملت الدكتورة مها المنيف المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني، لتنال بعد عشرة أعوام قضتها على تغيير مفهوم العنف لدى المجتمع من خلال البرنامج على لقب أشجع امرأة في العالم، عبر حفل أقيم في أمريكا، ورعته ميشيل أوباما، التي امتدحت المنيف في كلمة لها خلال الحفل. - بداية حدثينا عن الجائزة التي حصلت عليها بجدارة واستحقاق؟ الجائزة كونها عالمية فإنها تعني الكثير، فعلى مستوى الدولة فهي تؤكد حرص المملكة على مناهضة العنف الأسري، وذلك من خلال تأسيس برنامج الأمان الأسري الوطني، وعلى المستوى الشخصي فهي تقدير للمرأة السعودية، ودلالة على أنه بمقدورها العمل بجهد وبمثابرة لتستطيع الوصول إلى العالمية من خلال عملها داخل المملكة، وأن مثل هذه الجائزة من شأنها أن تُلغي الصورة النمطية عن المرأة السعودية التي لا تشارك في صنع القرار، وتثبت أن المرأة قادرة على العمل بمهنية عالية لتغيير المجتمع للأفضل. - ماذا عن طبيعة البرنامج، وأثره في الأوساط الاجتماعية؟ البرنامج عمل على عدة برامج مجتمعية، كان من أبرزها خط مساندة الطفل الذي تم تدشينه رسمياً من خلال مؤتمر إقليمي رعته الأميرة عادلة بنت عبدالله، رئيسة برنامج الأمان الأسري الوطني ورئيسة المجلس الإشرافي على خط مساندة الطفل، حيث أقيم المؤتمر على مدى ثلاثة أيام في شهر ديسمبر الماضي، وشارك فيه عدد كبير من المختصين، وحضره أكثر من 1000 مشارك، إضافة إلى الوفود الخليجية والعربية، كما صاحبه ثلاثة مهرجانات وجهت للعامة في كل من الرياض، جدةوالخبر ولاقت أصداء إيجابية في كل المناطق. - ما عدد المكالمات الواردة للخط بعد التدشين؟ يستقبل البرنامج من خلال خط المساندة يومياً أكثر من 1000 اتصال من الأطفال ومقدمي الرعاية لهم، حيث يتم تقديم المشورة وتحويل قضاياهم إلى الجهات المعنية والتي تقدم الخدمات لهم. - ما دلالات صدور نظام الحماية من الإيذاء من مجلس الوزراء في أغسطس 2013؟ يعتبر تكريما وطنيا لجميع العاملين والعاملات في مجال حماية الأسرة من العنف، وهو نقلة نوعية حقيقية فيما يتعلق بمجال الحماية من العنف والإيذاء في المملكة، وقد جاء شاملاً وداعماً ومؤيداً لكافة الجهود المبذولة من الجهات ذات العلاقة في المملكة، حيث يقدم النظام المساعدة والمعالجة والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية اللازمة، وقبل ذلك بث التوعية بين أفراد المجتمع حول الإيذاء والآثار المترتبة عليه، ومع أن النظام ركز على إجراءات الحماية بعد وقوع العنف، لكنه كذلك لم يغفل عن إجراءات الوقاية من العنف قبل حدوثه من خلال التوعية ونشر ثقافة الأمان الأسري. - هل هذا النظام كاف لمواجهة ظاهرة العنف الأسري؟ من وجهة نظري أن هذا النظام جاء ليعطي فرصة لإعادة ثقافة الأمان الأسري، فقد جاء شاملاً لحقوق كافة الأطراف (المعتدي والمعتدى عليه) سواء كانوا من الأطفال أو البالغين، حيث يوفر لكل منهم ما يحتاج من الحماية والرعاية والوقاية والعلاج وأيضاً العقاب، ولكن الآن ما يضمن لنا فعالية النظام الكاملة هو تعاون الجهات ذات العلاقة في تفعيل وتطبيق المواد واتخاذ جميع التدابير المناسبة للحماية من الإيذاء، من خلال عمل لوائح وإجراءات تنفيذية صارمة. البرنامج عمل على عدة برامج مجتمعية، كان من أبرزها خط مساندة الطفل، الذي تم تدشينه رسمياً من خلال مؤتمر إقليمي، رعته الأميرة عادلة بنت عبدالله، رئيسة برنامج الأمان الأسري الوطني ورئيسة المجلس الإشرافي على خط مساندة الطفل، حيث أقيم المؤتمر على مدى ثلاثة أيام - ما أبرز أسباب الاعتلال الصحي سواء نفسياً أو جسدياً؟ العنف الأسري وراء الاعتلال الصحي والنفسي، وهو يعتبر من أهم أسباب تدهور الاقتصاد في أي دولة كانت، فهو معاكس للنمو الاقتصادي، ومن مخرجات العنف الأسري إنشاء جيل ذي شخصيات مهزوزة، وكذلك شباب تميل شخصياتهم إلى العنف، إضافة إلى انعدام الثقة بالنفس لهؤلاء، مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية لديهم في المستقبل، إضافة إلى التكلفة المادية التي تتطلبها معالجة الحالات بعد حدوث العنف، وهذا مكلف جداً. - ما أسباب العنف في المملكة؟ تبقى أسباب العنف متشابهة حول العالم، إلا أنها في المملكة تعود إلى ثقافة المجتمع الذي يبرر العنف من خلال ثقافة التأديب بالضرب أو ثقافة الامتلاك، ويجب أن لا نربط الدين بتلك الثقافات، لأن ديننا الحنيف لم يشجع على العنف، بل العكس، نبذ جميع أشكاله، لذا كان من الواجب علينا تغيير تلك الثقافة، إضافة إلى تغيير مفاهيم العنف الأسري من خلال نشر الوعي بين أفراد المجتمع لمعرفة حقوقهم وواجباتهم، فمن ناحية اجتماعية وقانونية وبناء على اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها المملكة فإن الإبلاغ عن حالات العنف الأسري لا يعتبر تدخلا في شؤون الأسرة الداخلية، ولكنه واجب وطني. وفي حين أن بعض الدول تعطي العامة حرية الإبلاغ من عدمه، وهذا يرجع لثقافتهم، إلا أنها في ذات الوقت تلزم المهنيين والعاملين مع الأطفال بموجب مهام عملهم أن يبلغوا عن حالات العنف، وفي القطاع الصحي في المملكة مثلاً يعاقب كل من اكتشف حالة عنف ضد طفل ولم يبلغ عنها. - الى أي مدى يعي المجتمع الاحتياجات اللازمة لتوازن الشخصية؟ يعتمد وعي المجتمع بالتدخلات الخارجية على فهم المجتمع للعنف الأسري، إذا اعتبرنا العنف الأسري قضية عائلية فإن المجتمع سيعتبر أي تدخل أو بلاغ شأنا عائليا، ولكن إذا اعتبرنا من الأصل أن العنف الأسري ليس شأنا عائليا وإنما اجتماعي فسيكون تقبل المجتمع لمثل هذه التدخلات أفضل، خاصة وأن الأسرة هي أساس المجتمع الذي لا يرتقي أبداً بالعنف. لذا ينبغي تشجيع الأفراد على التبليغ ومن كانت بلاغاته كيدية فهناك قوانين رادعة ينص عليها نظام العقوبات الجزائية ونظام الحماية من الإيذاء، ويجب على المهنيين والمختصين في كافة التخصصات التركيز على قضية العنف الأسري، وكذلك دعم القيم الدينية والأسس الثقافية في الوطن التي من شأنها أن تساعد على عملية طمس تلك الظاهرة في مجتمعنا الإسلامي، أو على الأقل محاولة التقليل من حالات العنف الأسري التي يتعرض لها العديد من الضحايا سواء الأطفال أو النساء أو كبار السن من الجنسين، ولا يتوقع أن تنخفض هذه الممارسات فور تنبهنا لوجودها، وأن الشروع في إعداد آليات للكشف عنها والتبليغ عنها والتداخل معها بصورة احترافية ومهنية يهدف لحماية الضحية من الإيذاء مجدداً. - ماذا عن نسب العنف في المملكة؟ من البديهي أن تتضاعف الأرقام التي يتم رصدها في السنوات الأولى وهو أمر لا يربكنا لأنه معيار لفعالية آليات الرصد لمثل هذه الممارسات التي تتواجد خلف الأسوار في كافة المجتمعات باختلاف دياناتها وعاداتها وموروثاتها الثقافية، ولا تعني زيادة القضايا التي يتم رصدها زيادة في انتشار مثل هذه الممارسات، بل على العكس فإن الانخفاض في أعداد القضايا في السنوات الأولى نعده قصوراً في أداء الأفراد والمؤسسات المعنية بالرصد، لذا قد يتراءى لنا زيادة نسب العنف في المملكة إلا أن هذا لا يعني أن العنف قد ارتفع أو تفشى فيها، بل إن الأمر يعكس انتشار ثقافة الحقوق وأهمية التبليغ ضد المُعنِفِين، إضافة إلى تحسن الخدمات التي تقدم لهم سواء في دور الإيواء أو المراكز المتخصصة التي تشجع الضحايا على الخروج من دائرة العنف عن طريق التبليغ عنها، ولابد من تقديم الخدمات المطلوبة وكذلك الرعاية الصحية والاجتماعية والقانونية لمن يحتاجها من المعنفين، وارتفاع نسبة العنف أو انخفاضها ليس هو الموضوع المهم، بل ما يجب الحرص عليه هو ضمان وصول الخدمات لأي ضحية عنف. - نود التعرف على نتائج الدراسات التي تهتم بخدمة قضايا المجتمع؟ استطاع المختصون الاستفادة من نتائج هذه الدراسات في وضع البرامج الوقائية المبنية على البراهين ووضع برامج مجتمعية من شأنها توعية وتثقيف جميع أفراد المجتمع، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الأسرة على المدى الطويل، ولذا تم العمل على تطوير مركز التميز والبحوث في برنامج الأمان الأسري الوطني الذي عمل وما زال يعمل على عدد من الدراسات البحثية في مجال العنف الأسري على المستوى الوطني، وتم عرض ومناقشة نتائج ما اكتمل منها في مؤتمرات محلية ودولية ويتم العمل حالياً على نشرها في مجلات علمية. - إنشاء برنامج الأمان الأسري الوطني، ودعم حكومة خادم الحرمين الشريفين المستمر للبرنامج.. ماذا يمثل؟ يمثل دافعا كبيرا لمزيد من النجاحات، خاصة ان البرنامج ترأسه الأميرة عادلة بنت عبدالله، وهو خير تكريم لي ولجميع العاملين في البرنامج، فالبرنامج وإسهاماته في مجال الحماية من الإيذاء يؤكد وعي القيادة الرشيدة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- واهتمامها بقضايا المجتمع وأمنه الاجتماعي واستقرار أفراده. كما أنه يثبت حرص المملكة على الاستجابة للدعوات المتكررة من قبل المختصين والمجتمع ككل، لوضع نظام يعاقب على كافة أشكال العنف الأسري -بما فيها إيذاء الأطفال والعنف ضد المرأة والمسنين– والذي شارك البرنامج في دراسته ووضعه، كما يجسد التزام المملكة بالمعايير والمتطلبات الدولية في مجال حقوق الإنسان المنصوص عليها في العديد من الاتفاقيات التي انضمت إليها المملكة، مثل: اتفاقية حقوق الطفل، البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال، وبغاء الأطفال، واستغلال الأطفال في المواد الإباحية، كذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي نصت جميعها على إلزامية وجود أنظمة داخلية تجرم جميع أفعال العنف والإيذاء.