مرة أخرى، تتجدد نبرة التحذير من التعامل مع وحوش البوكيمون (بوكيت-مونسترز)، وحوش افتراضية مكانها الوحيد هو جيب شخصيات كارتونية، وما كدنا ننسى الاجتهاد الشنيع لبعض المتحمسين الذين ابتلينا بهم في ذلك الوقت وترويجهم لترجمات شنيعة لمعاني أسماء الوحوش ومحاولة ربطها بشبهات عقائدية، إلا وظهر متحمسون جدد يحذرون من مخاطر عودة هذه الوحوش وربط هذه التحذيرات من جديد بالايديلوجيات التي لا يمكن أن يلقي لها المجتمع الياباني بالاً من الأساس، كونه مجتمعا يعشق الأسطورة في الأصل، وسمة المحافظة فيه نتاج عادات وتقاليد تمتد لمئات السنين، وتم تتويجها خلال العصر الحديث بقوانين مدنية صارمة تكفل لكل إنسان حقه دون المساس بحق وحرية غيره. ربما لا يعلم البعض أن لعبة «جراند ثيفت أوتو» التي تتخذ من موضوع سرقة السيارات مادة للتسلية المؤدية إلى تحقيق انتصارات هي من أكثر الألعاب انتشاراً بين أطفالنا ومراهقينا، فهل تحول ابنك إلى سارق سيارات أو عضواً في عصابة سرقات صيفية؟ وبالمناسبة، نحن المنطقة الوحيدة التي تباع فيها لعبة السطو الكبير على السيارات رغم أنها محظورة في دول كثيرة، ليس بسبب شبهات دينية طبعاً، ولكن لأن مراحل اللعبة تتضمن مقطعاً موسيقياً للموسيقار البرازيلي هاميلتون دا سيلفا لورينكو دون إذن منه! كما حصل أمر مشابه مع لعبة «القط ذو القبعة» بسبب تعديها على حقوق فكرية لشركة ديسكفري الإعلامية. سننتقل من هذا الموقع إلى جزء متقدم من الحقوق التي تكفلها المجتمعات المدنية والقادرة على تبرير دوافع المنع لأي خطر محتمل، وليس خطرا مبنيا على خزعبلات مستندة في واقع الأمر إلى خرافة تقول بأننا مستهدفون من كل الأمم المتقدمة. سجل عندك مثلاً أن لعبة «بُلي» أو المتنمر قد تم حظرها بسبب قبول دعوى أنها تحرض على العنف المدرسي، وأنها سبب في وقوع حالات تحرش. ولعبة «كاونتر-سترايك» تم حظرها بسبب تشجيعها على العنف، كما تم حظر لعبة «إفر-كويست» بسبب الإيحاءات الجنسية فيها. وهناك حالات حظر مثيرة للاهتمام كمنع لعبة «باتلفيلد» أو أرض المعركة من الصين بسبب إساءتها لرموز وطنية صينية وغيرها الكثير من الأمثلة المفهومة قانونيا وحقوقياً. ماذا عنا نحن؟ ماذا سنقول للمجتمع الدولي للمطالبة بمنع لعبة بوكيمون قو؟ هل سنقول ان وحش البصلة (بولباسور) يظهر في مطابخنا وينكشف على محارمنا دون إذن منا؟ أم نقول إن وحش الفحم (تشارمندر) يظهر في المدخنة ويفزع «الورعان»؟ أعطوني سبباً وجيها لمنع ظهور افتراضي لوحش كارتوني في أي وقت وفي أي مكان!!! وإن كانت لعبة «بوكيمون قو» سوف تخضع للحظر قريباً، فهذا لن يكون بسبب ظهور الوحش المائي «سكويرتل» القادر على إغراق خصومه بالطوفان الذي يخرج من فمه المنمنم في مغسلة بيتك، بل بسبب ما قد ينتج عن اللعبة من انشغال كامل مؤد إلى حوادث مرورية تهدد السلامة أو هدر في الوقت المخصص لرفع الإنتاجية القومية. الشاهد في كل هذا أن أحداً من «أعداء البوكيمون» لم يتذكر المكانة الاقتصادية الجديدة التي حققتها شركة نينتندو بسبب إطلاق هذه اللعبة، وكمية الوظائف التي ستنشأ عن التوسع فيها لتطويرها والخروج بأفكار جديدة، والسوق التجارية التي ستنشأ عن اعادة شخصيات البوكيمون وأيقوناتها للسوق الاستهلاكية... ولا أي من هذا النجاح يعني شيئا لرعديد يخاف على ثوابته من شخصية كارتونية افتراضية لا وجود لها في الواقع!