ليس كل اعتراف بالخطأ ينم عن حسن نية، أو عن فشل إنسان بريء في اختيار طريق بين مجموعة خيارات لمعالجة مسألة معينة، أو خلال بحثه عن حل لمعضلة. ها هو توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، وأحد المشاركين الفعليين في احتلال العراق وتدميره، اعترف «بخطئه» أمام لجنة «شيلكوت» المكلفة بالتحقيق في حرب العراق. من حيث المبدأ، فإن توني بلير لم يعترف لنا نحن العرب، ولم يعتذر للعراقيين على تدميره بلادهم واحتلالها وتهجير أهلها، إنما كان اعترافه بخطأ الغزو للبريطانيين فقط، أمام لجنة استمرت في العمل لمدة 7 سنوات، قبل أن تخلص لمجموعة من البديهيات، كانت معروفة قبل الحرب، حين كنا نحذر من مغبة الاشتراك في هذه الجريمة النكراء. ناهيك عما شاهدناه بعدها من تدمير ممنهج لبنية الدولة العراقية، ونهب منظم لثرواته. أفصحت اللجنة عما مفاده: أن قرار غزو العراق اتخذ بناءً على معلومات مضللة، وأن توني بلير وعد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن «بأنه سيكون معه مهما كان الأمر»، وأن ثمة خيارات أخرى سلمية لم تستنفد قبل الشروع في الحرب. هكذا ببساطة، اعترف المستعمر القديم بفشل حربه العدوانية، وأن خيار الحرب لم يكن لازما أو سديدا، ليس لأنه دمر العراق وقتل شعبه، لكن لأن المستعمر خسر الكثير جراء هذه المغامرة. ان نتائج هذه الحرب، التي ظن بلير أنها يمكن أن تُقدَّم كعربون شكر للرئيس الأمريكي، الذي احتضن بلير، منذ أن كان يافعا يجوب مراكز وجامعات واشنطن، في رحلة ضمن أحد برامج وزارة الخارجية الأمريكية، المعدة لتأهيل القيادات السياسية الشابة، كلفتنا نحن العرب كثيرا. دمرت واحدا من أهم وأغنى البلدان العربية من حيث الثروة النفطية والزراعية، وأكثرها من حيث وجود العلماء، وأكبرها من حيث القدرات العسكرية، وأدخلتنا في أتون جحيم الطائفية. بعض الجهلاء من داعمي الاحتلال، وهم كثر، يعتقدون أن الغرب يمكن أن يلعب دور المُخلص، وأن الحرب كانت من أجل قيام نظام ديمقراطي مكان نظام ديكتاتوري، أو تخليص العالم من شرور أسلحة الدمار الشامل، لكن الذي يتتبع القرارات الأولى التي اتخذها مندوب الاحتلال الأول، بول بريمر، منذ لحظة استلامه السلطة، لا تخالجه ذرة شك، بأن تدمير بنية الدولة العراقية، ونهب ثرواتها كان أولوية الأولويات. فقد كان ثاني قرار اتخذه بريمر بعد تفكيك الجيش العراقي، هو طرح جميع أصول الدولة العراقية للبيع، لصالح رأس المال الأجنبي، باستثناء النفط طبعا، وقد كان الهدف من الإبقاء على النفط، هو تمويل كلفة الحرب من جيوب العراقيين، أما بقية أصول الدولة فقد سُمح للأجانب بحق شرائها الكامل، وتحويل الأرباح للخارج دون قيد أو شرط. ليست هذه المرة الأولى التي يكذب فيها المستعمر. تاريخ الاستعمار حافل بالأكاذيب، فطالما استغل نفوذه في تشويه صورة خصومه قبل استباحة بلدانهم. ان لجنة التحقيق «شيلكوت» لم تجرم احتلال العراق، لكن كل ما في الأمر، أن هذه الحرب قزّمت بريطانيا اقتصاديا وسياسيا.