«هل أنا كنت طفلا أم أن الذي كان طفلا سواي «...» أحدق لكن تلك الملامح ذات العذوبة لا تنتمي الآن لي والعيون التي تترقرق بالطيبة الآن لا تنتمي لي صرت عني غريبا...» هذا السؤال الفاجع الذي يرادف زلزالا لن تلاقي مثله في الشعر العربي القديم الذي كانت حسرات «الشيب» تملأ أوداجه.. لأن مفهوم الطفولة مفهوم حديث أطل علينا من الضفة الأخرى.. فقد كان ينظر إلى الطفولة كنبت بري تتكفل به الطبيعة وحدها. السؤال هذا لم يطرحه أمل دنقل وحده.. بل طرحه أودنيس: «ذلك الطفل الذي كنت أتاني مرة لم يقل شيئا مشينا.. وكلانا يرمق الآخر في صمت خطانا نهر يجري غريبا جمعتنا باسم هذا الورق الضارب في الريح الأصول وافترقنا «...». أيها الطفل الذي كنت.. تقدم ما الذي يجمعنا الآن؟...» وطرحه شوقي بزيع: «قلت للطفل الذي في: انتظرني ربما أبلغ في خاتمة الرحلة ما لم تطأ الأحلام من قبل «..» وتلفت لعلي مدرك أنقاض من أودعته كنز انتظاراتي «..» فإذا الطفل الذي في داخلي قد شاخ والشمس التي أقصدها باتت ورائي» ما الذي هيج في وجدان هؤلاء الشعراء المبدعين الثلاثة هذا السؤال البركان؟ هل نجد في النص الطويل الرائع لأبي حيان عن الغريب ما يمكن أن يكون جوابا عن هذا السؤال.. وبخاصة جملته المنطلقة من عمق صوفي لا شعوري «الغريب من هو في غربته غريب»؟ كلا.. فما يتساءل عنه هؤلاء المبدعون يتجاوز الرؤية التي يستغرق فيها أبو حيان.. إنها الغربة الوجودية التي لا فكاك منها.. آه... آه.. هل هناك أقسى من أن تقف أمام المرآة فتجد فيها غريبا عنك؟!