حضرت مؤخراً قمة خيرية في سويسرا لمؤسسات عائلية حول العالم تقوم بأعمال إنسانية متنوعة وغاية في الروعة والإتقان. وكان على هامش هذه القمة بعض الزيارات الميدانية ومنها زيارة لمركز الإنقاذ الجوي السويسري والمسمى ريغا (Rega) هذا النموذج الاحترافي والفريد من نوعه. فهو مركز إخلاء جوي للمصابين في جميع أنحاء سويسرا يشمل كل من يعيش بهذه الرقعة الجغرافية دون تمييز بين السويسري وغيره. كما تتعدى الخدمات لتشمل أي مصاب سويسري أو مقيم في سويسرا حول العالم وبواسطة طائرات نفاثة وهليوكبتر وحسب نوع الإصابة وبُعْد المسافة. فلو كُسرت ساق سويسري او مقيم في سويسرا في أدغال افريقيا مثلا ولم يتوفر له العلاج اللازم، تقلع طائرة نفاثة من مطار زيورخ لجلبه على الفور للمشافي السويسرية! كل ما هو مطلوب هو الضغط على رقم 1414!! تأسست ريغا في عام 1952 بواسطة محارب سويسري قديم رأى وجوب إنقاذ البشر وبطريقة فورية بعد ما شاهده من ويلات الإنقاذ أثناء الحرب العالمية الثانية حيث كان يعمل في اخلاء الجرحى. وتتكون ريغا حاليا من اثنتي عشرة قاعدة جوية موزعة حول سويسرا وتحوي طائرات عمودية ونفاثة وتقوم بتنفيذ 27 مهمة إنقاذ يوميا أبرزها إنقاذ المتزلجين على الجبال المنتشرة. كما أن ريغا وضعت على عاتقها الوصول للمصاب في زمن أقصاه 15 دقيقة ومهما كانت الظروف. ويعمل في هذه المؤسسة المئات من أمهر الطيارين والمسعفين الجويين. أما النموذج الاقتصادي لريغا فيقوم على أساس اشتراك سنوي وبقيمة 30 فرنك (تقريبا 125 ريالا فقط). هذا الاشتراك يغطي 60٪ من التكاليف حيث يشترك أكثر من مليوني سويسري ومقيم. أما بقية التكاليف فتأتي عن طريق شركات التأمين الصحي. وبالمناسبة، لا يتم سؤال المصاب عن رقم الاشتراك وإنما يتم الإنقاذ أولاً ومن ثم تقوم شركات التأمين بإكمال الباقي! هل أفاجئكم أيها السيدات والسادة إن قلت لكم ان ريغا ليست فقط لخدمة البشر وإنما كذلك لخدمة البقر! فالبقر السويسري هو ركن أساسي ضمن مكونات الاقتصاد الوطني. كما أن الفلاح السويسري يعتبر ركيزة مهمة ضمن النسيج الاجتماعي. فلماذا يعاني الفلاح السويسري عند إصابة بقرته في أعالي جبال الالب؟ ولماذا لا تتمتع البقرة السويسرية بالدلال (الفيدرالي)؟ فقد تم إنقاذ 1230 بقرة في العام الماضي. وتقوم ريغا بإرسال طائرة خاصة لأي بقرة مصابة وحسب وزن البقرة تكون نوعية الهليكوبتر! أصابني الذهول وأنا أستمع وبجميع حواسي لمدير المركز وهو يسهب بالشرح فتخيلت مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو عثرت بغلة في العراق لكنت مسؤولا عنها أمام الله). السؤال الكبير هنا عن إمكانية استنساخ التجربة (وليس نسخها فالاستنساخ بروح والنسخ بلا روح) حيث ان التجربة ماثلة للعيان وقابلة للاستنساخ الفوري! آه.. نسيت أن أقول لكم ان ريغا منظمة خيرية غير ربحية!