تسوؤنا أخبار العنف التي تطالعنا بها بعض المواد الصحفية، وتزيدنا ألما عندما تكون خاتمتها موت المعنف، ونزداد وجعا عندما نعلم أن المجني عليه قد مر بتاريخ عنف أليم قبل أن يلقى حتفه في نوبة تعنيف زائدة الجرعة.. بعض قصص العنف الموجهة للأطفال والزوجات نستطيع أن نستقرئ أسبابها سلفا؛ فكثير منها يلعب عامل إدمان المخدرات أو المرض النفسي دورا رئيسا في حدوثها، أما في بعض حالات العنف الموجه للأطفال فتتخذ زوجة الأب دور البطولة في قصتها.. وبشكل عام يستهجن المجتمع العنف ولا يقبله بل ويدينه في النظام والعرف، لكن هناك للأسف قيما ثقافية وتربوية تشجع على العنف ضد المرأة في بعض الحالات، ويحدث هذا بطريقة غير مباشرة ويتخفى أحيانا تحت ذريعة المحافظة عليها.. لقد فجعنا في اليومين السابقين بقصص اجرامية مأساوية مروعة، حدثت لأشقاء قتلوا شقيقاتهم!! واحدة توفيت تحت ضرب عنيف من قبل اثنين من أشقائها، وقصة أخرى تحدثت عن وفاة ثلاثينية بطريقة مباشرة من رصاص مسدس أخيها.. عادة هذا النمط الاجرامي يشيع في معظم المجتمعات التي يشجع فيها الأبناء الذكور على المحافظة على المرأة بطريقة مبالغ فيها، ليس هذا فحسب بل وينتشر في المجتمعات التي تضخم فيها خطيئة المرأة مقابل الرجل، تحت المبدأ العرفي الشائع «الرجل يحمل عيبه» والذي يعطي الغفران المسبق لكل خطايا الرجل في ماضيه وحاضره بطريقة تعسفية تعلي من مكانة طرف مقابل الآخر على أساس جنسه! أقر أن هناك تقدما في الفكر الجمعي يدرك هذا الخلل، والدليل على ذلك أن أكثر المدافعين عن حقوق المرأة بطريقة منطقية وعادلة هم من فئة الرجال، ففيهم نماذج مشرفة حملت هم هذه القضية بكل صدق وإصرار، لكن يظل النسق الثقافي العام يمارس هيمنته على كثير من القيم التربوية، والأسر تنصاع لهذا النمط الثقافي المختل حتى لو لم تقتنع به تماما، فهي تتماشى للأسف مع السائد خوفا من الاصطدام به.. لو غلظ العيب الأخلاقي للرجل كما يفعل مع المرأة سواء بسواء؛ لاختلفت كثير من المعايير الأخلاقية والفكرية والسلوكية للمجتمع.. الرجل في النهاية سيخطئ مع المرأة والرجل بذاته هو من يعاقب المرأة والرجل في النهاية هو من سيتأذى من بخس حقوق المرأة، فالمرأة أمه وابنته وأخته وعمته وخالته.. وبالرغم من أن هذا المعيار المبتدع في التفريق بين مكانة المرأة والرجل في الحقوق والأخطاء وغيرها كان سائدا في معظم ثقافات العالم وعبر مراحل تاريخية مختلفة إلا ان بقاءه بصورته المقيتة حاليا مقصور على المجتمعات المتخلفة ثقافيا وأخلاقيا والتي لم تتمكن من التمسك بمبادئ الإسلام وقيمه الحقيقية ولم تفرق بين الرجل والمرأة في الإنسانية والأخلاق والتكليف.. وأخيرا ليست كل امرأة معنفة هي بالضرورة مخطئة، العنف ضد المرأة يتفشى في البيئات الاجتماعية والثقافية التي ترى أن المرأة تحتل ترتيبا أقل من الرجل، كما أنه ينشط في حال كان هناك ضعف أو تراخ في النظام القانوني الذي يكفل حقوقها على أساس أنها مواطنة كاملة الأهلية ولا تحتاج إلى وصاية مثلها في ذلك مثل المواطن الرجل.