تعد المملكة وبعض دول الخليج من الدول القليلة في العالم التي تعتمد على النفط والغاز فقط في توليد الطاقة. لذلك نجد أن استهلاك هذه الدول من هاتين المادتين الاستراتيجيتين في ارتفاع مستمر خاصة مع النمو الكبير في عدد السكان والتوسع الاقتصادي وبالتالي الحاجة إلى المزيد من الكهرباء. وفي نفس الوقت تحاول كثير من الدول الاخرى تخفيف الضغط على هذين المصدرين باستخدام مصادر اخرى كالفحم الحجري او الطاقة الشمسية او حتى النووية. فعلى سبيل المثال ومنذ عام 2000م والى الان يشكل النفط والغاز في خليط الطاقة المستهلكة في الهند حوالي 30% فقط مقابل 44% للفحم الحجري و24% للوقود الحيوى. وأما في البرازيل فيتم توليد الكهرباء بالاعتماد بشكل رئيس على المصادر المتجددة حيث تشكل مساقط المياه حوالي 80% من مصادر الطاقة الكهربائية وأما الشمسية والرياح فتشكل حوالي 6% ولا يشكل الوقود الاحفوري في خليط مصادر توليد الكهرباء الا 10% فقط. تزدهر صناعة النفط والغاز وبحسب تقرير أرامكو السعودية الاخير فان المملكة قد أنتجت في عام 2015م حوالي 3.7 مليار برميل بزيادة بحوالي 210 ملايين برميل عن عام 2014م. ولقد ارتفعت صادرات المملكة للنفط الخام في عام 2015م بحوالي 59 مليون برميل عن مستويات عام 2014م بالاضافة إلى ارتفاع صادرات المشتقات البترولية ايضاً في عام 2015م بحوالي 64 مليون برميل وهذا يعني ان صناعة النفط وتكريره تزدهر بغرض رفع معدل صادرات المشتقات المكررة وخفض صادرات النفط الخام. ولكن يبقى الارتفاع الكبير في الاستهلاك الداخلي للطاقة في المملكة أحد أكبر التحديات التي تواجهها صناعة الطاقة. تنتج المملكة يومياً حوالي 12 مليون برميل نفط مكافئ (10 ملايين برميل زيت خام و2 مليون برميل نفط مكافئ من الغاز الطبيعى) تستهلك منها حوالي 42% وتصدر الباقى. وتبقى هذه النسبة مرشحة للارتفاع ما لم نقلص استهلاكنا للطاقة ونزيد من نسبة مصادر الطاقة المتجددة في خليط الطاقة المستهلكة محلياً. استهلكت المملكة في عام 2015م حوالي 700 مليون برميل من المشتقات البترولية بالاضافة إلى حوالي 200 مليون برميل خام تم حرقها بشكل مباشر لتوليد الطاقة الكهربائية. وبذلك تصبح كمية الاستهلاك المحلي للنفط في العام الماضي حوالي 900 مليون برميل باليوم أو حوالي 2.5 مليون برميل باليوم. ولقد ارتفع استهلاك المملكة للنفط ومشتقاته بحوالي 150 الف برميل باليوم ما بين عامي 2015-2014م. وتستهلك المملكة ايضاً حوالي 400 الف برميل باليوم من سوائل الغاز الطبيعي اما للاستخدامات المنزلية او للصناعات البتروكيماوية. وبهذا فان المملكة تستهلك حوالي 3 ملايين برميل يومياً من السوائل البترولية ما بين نفط خام ومشتقات نفطية وسوائل غاز طبيعى. وتنتج المملكة حالياً حوالي 10 ملايين برميل باليوم من النفط الخام تستهلك منها حوالي 2.5 مليون برميل باليوم اي حوالي ربعها وباستمرار ارتفاع الاستهلاك المحلي بنفس الوتيرة فان هذا الاستهلاك سيرتفع بعد عشر سنوات بحوالي مليون برميل باليوم، اي ان استهلاك المملكة قد يرتفع إلى حوالي 3.5 مليون برميل باليوم بحلول 2026م. وهذا سيضغط على قدرة المملكة التصديرية للخام ولمشتقاته. ولقد تنبه كثير من بلدان العالم إلى خطورة الادمان على النفط ولذلك وضعوا كثيراً من الخطط لاعاقة الاستمرار بهذا النمو عن طريق تعديل التسعير وتركيز الدعم على المحتاجين من المواطنين فقط ودعم الطاقة المتجددة ورفع الدعم التدريجي عن النفط ومشتقاته. وأما بالنسبة للغاز الطبيعي فلقد استهلكت المملكة في العام الماضي كل انتاجها البالغ حوالي 11.6 بليون قدم مكعب باليوم ويرتفع الاستهلاك السنوي للغاز الطبيعي بحوالي 300 مليون قدم مكعب باليوم. ترتبط كمية الزيادة بتلك المكتشفة والمنتجة. طبعاً استهلاك الغاز الطبيعي يتوزع بين صناعة النفط والغاز وصناعة البتروكيماويات والاسمدة بالاضافة كمصدر اساسي لتوليد الطاقة الكهربائية والحرارية وتحلية المياه بالمملكة. وتملك المملكة احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي تصل إلى حوالي 300 تريليون قدم مكعب وبهذا فان الاحتياطيات الراهنة تكفي استهلاك المملكة لمدة تزيد على 70 سنة هذا عدا الاحتياطيات الهائلة التي تملكها المملكة من الغاز الصخري المرتفع الكلفة في انتاجه. اذا تستهلك المملكة يومياً حوالي 3 ملايين برميل من السوائل البترولية وحوالي 11.6 بليون قدم مكعب من الغاز وتعادل هذه الكميات ما قيمته 2.1 مليون برميل نفط مكافئ يومياً اي ان الاستهلاك اليومي للمملكة من النفط والغاز يعادل 5 ملايين برميل نفط مكافئ. وبالرجوع إلى المراجع العالمية مثل وكالة معلومات الطاقة الامريكية والتقرير الاحصائي السنوي لشركة بريتش بتروليوم نجد ان استهلاك المملكة للنفط والغاز يأتي في المرتبة الخامسة عالمياً. لا يسبقها الا الولاياتالمتحدة والصين وروسيا واليابان. ويفوق استهلاك المملكة للغاز اي بلد اوروبي بما فيها المانيا وبريطانيا وفرنسا وكذلك تتفوق عليهم بالاستهلاك اليومي للنفط. الحقيقة ان استهلاك 5 ملايين برميل نفط مكافئ من النفط والغاز يومياً تعتبر بالمقاييس العالمية ضخمة جداً وتعد وقوداً للاقتصاديات الكبيرة مثل اليابان التي يبلغ استهلاكها اليومي من النفط والغاز حوالي 6.3 مليون برميل نفط مكافئ ولكنها صاحبة ثالث اكبر اقتصاد بالعالم. وحتى الهند وعلى حجم سكانها الضخم الا انها تستهلك حوالي 4.8 مليون برميل نفط مكافئ باليوم فقط. بصراحة نحتاج إلى آليات مبتكرة وقوانين جديدة للاستفادة من هذه الكميات الهائلة من النفط والغاز والتي تحرق يومياً. امام وزارة الطاقة الجديدة تحديات متعددة تتمثل بالاستخدام الامثل لموارد الطاقة الهيدروكربونية الناضبة. ولقد سعت كل الدول المجاورة وتعمل جاهدة لتحرير اسعار الطاقة حتى لا تقع ضحية للهدر والتبذير الذي يضر باقتصاديات الدول (ولقد اعلنت قطر مؤخرا عن تحرير اسعار الطاقة وسبقتها الامارات). الاكيد ان التباين الكبير في اسعار الطاقة بين الدول المجاورة يساعد على التهريب وعلى انتهاج اساليب جديدة لا تخطر على البال. وفي هذا الاطار تم تعديل اسعار الطاقة بالمملكة في يناير الماضي كخطوة اولى لكن تحتاج هذه الخطوة إلى برنامج متكامل يوجه الدعم إلى المستحقين من المواطنين ويوفر البدائل للمقيمين ويقلص فارق الاسعار مع الدول المجاورة لمحاربة التهريب. انها منظومة عمل متكاملة حتى ننجح في العبور إلى مستقبل آمن خال من عوز الطاقة. واما ادخال الطاقة المتجددة إلى خليط الطاقة في المملكة فهو اهم الخطوات التي نتطلع اليها فلقد اعلن عن التخطيط لانتاج حوالي 41 جيجاوات من الطاقة المتجددة بعد اقل من 16 عاما ولكي يتم نجاح هذا المشروع الوطني العملاق لا بد من بدء العمل والاعلان عن مراحله المنجزة كما يتم الاعلان عن الانجازات المرحلية لمترو انفاق الرياض.