«الشفافية» هي من الكلمات المتداولة بكثرة مؤخرا حتى أوصلت لحدود أساءت الاستخدام. فصار الامتناع عن الإدلاء بالرأي هو تكتم بعيد عن الشفافية، وكأن الشفافية تعني الابتذال في الطرح والمشاركة العامة في كل صغيرة وكبيرة. وتحولت الخصوصية أيضا إلى تكتم بعيد عن الشفافية، يجب أن يكون جوهرك مكشوفا لتكون شفافا والا قابلتك التهم بالتعتيم ومعاداة الشفافية. كتب هاروكي موركامي: «لو عكسنا القشرة الخارجية والجوهر؛ بمعنى آخر أن نعتبر القشرة الخارجية هي الجوهر، والجوهر هو القشرة الحقيقية فقد يسهل علينا أكثر أن نفهم حياتنا» ولكن! لو عكسنا القشرة الخارجية والجوهر لكنا مشينا عراة. قشرتنا هي ما يستر هويتنا، ما يحمي أفكارنا ورغباتنا، ما يعطينا الخصوصية والحياة الشخصية. ألك أن تتخيل أن تمشي والكل يعرف أقصى خلجات نفسك؟ الذات البشرية ستشعر حتما بالعري إن كشفت للملأ ذاتها بكل شفافية، وكأنها تخلت عن هويتها. الشفافية الذاتية، وهي شفافيتك تجاه أفكارك أن تصارحها وتقلبها قبل أن تشاركها الجميع، أن تعطيها فرصة أن تترآى أمامك بدون أن يلونها رأي أحد، أن تدع لها الحرية الذاتية والخصوصية المؤقتة أو الدائمة، وأن تُحكم على جوهرك ليكون ملكك وحدك. أسرارنا وتعقيدنا هو ما يجعل الحياة تستحق العيش، هو ما يعطيها لذتها وغرابتها، ما تخفيه قشرتنا هو ما يثير فضولنا ورغباتنا في المسير، وما يحدد هويتنا وكيف نتشكل وأي لون نتخذ. هو ما يحركنا لنعرف ونكتشف الآخر. لا أتخيل أن أعيش في حياة الكل يسير فيها مكشوفا، كم هو ممل هذا! والحقيقة أن قشرتنا الخارجية ليست وحدها سبب تعقيد البشرية، معظم الناس ترتدي العديد من الأقنعة التنكرية، فلا يكتفون بقناع واحد مطلوب وهو القشرة لحماية الجوهر بل تراهم يتفننون في التزين والتبهرج بأقنعتهم حسب المناسبة. وفي كثير من الأحيان ما يضلون هم أنفسهم فينسون حقيقتهم وطريقهم إلى الجوهر. عدد الأقنعة التي يرتديها الشخص يعتمد على مقدار موهبته في فن الخداع؛ فهناك حد فاصل بين الشفافية والخصوصية وأيضا حد فاصل بين الشفافية والاقنعة. في العادة عندما نخشى صدام الرأي مع الآخرين يكون بسبب أو بعدة أسباب، وخصوصية الرأي لا تعني التعتيم. فالشفافية لا تعني طريقا مرصوفا إلى داخل الجوهر.