الكثير من الصديقات أو الزملاء أو حتى الطلاب والطالبات عندما كنت أستاذة في الجامعة كانوا يطالبون أن نقيّم لهم إنتاجهم سواء كان بحثاً نظرياً أو إصداراً أو كتاباً في شأن من شؤون الحياة، ثم يتعجلون كي يسمعوا منك رأيك، وهنا تحدث أزمتان، أولاهما أنك قد تضطر ألا تصارح الآخر برأيك شفافاً رقيقاً صريحاً أو صادقاً.والثانية هو أنك قد لا تجد الوقت الكافي لأن هؤلاء يعطونك كتبهم ونتاجاتهم ولكنهم لا يعطونك الوقت الذي يستلزمه الأمر أن تقرأ وتحلل وتستوعب لكي تكون أهلاً لإبداء رأي نزيه وموضوعي.الذي يعطيك كتاباً صدر له لا يطالبك أن تقول له كلاماً لا يود سماعه، وفي واقع الأمر قد أصدر على نفسه حكماً مسبقاً ويريدك أن تصادقه على هذا الحكم فلا تقول له أن ما كتبته مقالاً كان أو كتاباً هو عناء فكري أو ركام من الأفكار التي لا رابط فيها .. فأنت لا تستطيع أن تقول له ذلك، وقد لا تستطيع أيضاً أن تقول متسائلاً ما الذي أضفته؟.. أليس من المفترض حينما يكتب الإنسان أن يضيف لنفسه أولاً.. وليس أن يكرر في ببغائية ما يردده الآخرون.النقد إذن في هذه الأيام لم يعد بمقدوره أن يكون بالغ الصراحة أو شديد الشفافية أو محركاً لعقل النتاج الأدبي والفكري ليستحسن ما يجب استحسانه ويعيد ما يجب أن يعاد. ثم إن النقد يسلتزم قراءة متأنية.. والقراءة المتأنية تستلزم وقتاً.. والوقت في هذا الزمن البالغ التعقيد والمسؤوليات صار عملة نادرة وبذلك أحياناً تكون القراءة مهرولة سريعة في أحكامها ولهذا أحياناً أعتذر عن قبول ما يعرض علي لإبداء رأيي في نتاج أدبي أو فكري أو علمي إلا بشرط أن يُترك لي وقتٌ أختار فيه قراءة ما يجب أن أبدي رأيي فيه.