لأن إرضاء جميع الناس غاية لم ولن يستطع أي شخص أن يحققها، فليس أمام أي مسؤول يتولى أمرا من أمور الناس وشؤونهم العامة إلا محاولة تقليل مساحة «عدم الرضا» بكسب تقدير واحترام أكبر قدر ممن يتلقون خدمته، وتعنيهم مسؤوليته، ولن يكون في مقدور هذا المسؤول تحقيق هذا «الحلم»، إلا إذا انتهج مبدأ «الشفافية والوضوح» فيما يقوم به ويتولاه من عمل. فعلى ضوء هذه الشفافية يستطيع بكل الصدق والأمانة أن يعرض مقدار اجتهاده، ومبلغ عمله، كما أنها ستعصمه من الوقوع في مظنة التقصير، وخيانة الأمانة، ما دام مدركا أنه تحت ضوء الشمس، وفي دائرة المراقبة، فليس أمامه من سبيل سوى إيفاء متطلبات وظيفته بأقصى احتمالات العطاء، وأحسن تقديرات المسؤولية. وذات الشفافية تتيح لجمهور المتعاملين مع هذا المسؤول أن يكونوا حراسا على حقوقهم، وشهداء على ما ينجز، ومنتقدين لأي تقصير يحصل هنا أو هناك، فهم بذلك أمام حالتين، إما نجاح للمسؤول يرونه رأي العين، ويلمسونه واقعا ماثلا أمامهم، فيأتي الحمد منهم والتقدير للمسؤول كفاء ما قام به، ونظير ما أعطى ف«كفى ووفى». وإما أن يروا تقصيرا أو تقاعسا لأي سبب من الأسباب وهم حينئذ مطالبون بتقصي الحقائق، ومعرفة الأسباب، وتقويم ما ينحرف من سلوك لتعود عجلة العمل إلى جادتها مستقيمة، ومثمرة، ومعطية ما ينتظره الناس من عطاء وجهد. وفي ظل غياب الشفافية يبن المسؤول والجمهور، فإن الفرصة تبدو متاحة لنمو الشائعة، وتكاثر القيل والقال، وفشو الاتهامات الصحيح منها والكيدي، فحجب المعلومة من قبل المسؤول عن الجمهور يعني بالضرورة أن يبحث المواطن عنها في غير مصادرها، وهنا تتضارب المصالح، وتتقاطع النوايا، فمن كان قريبا من المسؤول مرر في معلوماته ما يعضد موقفه ويخرجه من دائرة الشك والاتهام. ومن كان مناوئا للمسؤول وكارها له لسبب ما، فإن الفرصة أمامه مواتية لقول ما لم يقله مالك في الخمر، والناس في غالبهم يحبون المنتقدين والمظهرين عيوب المسؤولين على وجه التحديد. فالمسؤول هو من وضع نفسه في هذا الموضع المهين بمسلكه الموسوم بالغموض، والمسيج بالإخفاء وحجب المعلومة، فظهر وكأنه يخفي أمرا لا يريد له ظهورا، وطاويا فعلته بتراب الصمت والتعتيم. فلو أنه ترك الأمور على سطح الضوء، حتى لو كانت خطأ بينا لكان أولى له وأسلم، فظهور الخطأ في أول بدايته يكون سهل الحل، سريع الاستجابة للتدارك، وكلما تراكمت الأخطاء بسبب الخطأ الأول استفحلت الأزمة وصارت عصية على النسيان، ونمت على حوافها مخارز الإشاعة وإبر الاتهامات، وصدق الشاعر حين قال: فإن الجرح ينفر بعد حين .. إذا كان البناء على فساد من هذا التعميم حول ضرورة انتهاج مبدأ الشفافية من قبل المسؤولين، وتجنب أي سلوك ينطوي على تعتيم وتكتيم ومداراة، تسوقني الذاكرة إلى شواهد تاريخية عديدة، كانت الشفافية فيها حاضرة وظهرت نتائجها الإيجابية جلية، وكان مسلك التعتيم أيضا حاضرا ونتائجه الكارثية موثقة ومثبتة، ولن أغوص في التاريخ لاستدعي ذلك، فإن الأمر متاح لمن أراد أن يتذكر أو أراد أن يعتبر، غير أني اقتطف من تاريخنا الشاخص والماثل اليوم نموذجا مشرقا لمسؤول امتطى صهوة الشفافية، فعبر به مساحة المسؤولية الملقاة على عاتقة كأحسن ما يكون العبور، وأعني بذلك معالي المهندس عادل فقيه الذي تسنم بثقة ولي الأمر وزارة الصحة العصية في تكوينها على فهم الكثيرين وإدراكهم، فقرر من اللحظة الأولى أن يتعهد للناس كافة بمبدأ الشفافية والإفصاح لوسائل الإعلام وكافة أفراد المجتمع بالحقائق كما هي دون مواربة أو تضليل، مبددا بهذه الشفافية الكثير من الشكوك، كاتما صوت الإشاعات التي كانت تقلق حياتنا وتسد علينا منافذ يومنا تهاجمنا وسائل التواصل الاجتماعي لترعبنا نعيش في دائرة الفزع والخوف، وكأن الفيروس نائم معنا في فراشنا. شفافية عادل فقيه ألجمت هذه الوسائل فخفت الإشاعات أمام طغيان الحقائق مدعمه بالأرقام والبيانات عن الذين قضوا على يد كرونا والذين ينتظرون رحمة الله طلبا للشفاء والعافية، فشلت بعض قيادات الصحة في مواجهة كرونا نتيجة التقاعس والخطة العلاجية المتهاونة منذ ظهور الفيروس في أبريل عام 2012م، مؤكدا أحد قيادات وزارة الصحة من الصف الثاني أن المواجهة المستقبلية للفيروس تتضمن تثقيف الكادر الصحي مع إنشاء شبكة بحثية لدراسة الحالات، مقترحا بعد خراب مالطة أن وزارته فشلت في مواجهة كرونا مبكرا وعلى عكس ما خططت له (مكة 105). رغم الميزانية الضخمة والإمكانات الهائلة، ولكن التقاعس عن أداء المهمة كما يجب، وقد أرجح الدكتور دروستن، وهو خبير ألماني متخصص في كورونا، أن زيادة الوفيات والإصابات ربما نجمت عن مشكلات في التحكم بالعدوى داخل المستشفيات. إننا ملتقى لكل سكان الأرض في العمرة والحج، فالشفافية والوضوح والعمل الدؤوب أمر مطلوب ونحن نعيش داخل كرة زجاجية كل ما فيها مرئي ومكشوف.