لم يغز عقول السعوديين ويُشكل قناعاتهم، ومعايير قبولهم ورفضهم، مثل ما فعل (تويتر) و(الواتس أب). تويتر ربما أقل تأثيرا من الواتس أب، فالنشر في تويتر بالأسماء الصريحة محدود مقارنة بالأسماء المستعارة، وقد يُلاحق الناشر قانونيا إذا لم يكن موثقا للمعلومة التي نشرها، وهذا ما يحد من قدرته على ترويج المعلومة أو الشائعة؛ أما الكتابة بالاسم المستعار، فلم يعد له قيمة، مثلما كان في بدايات ظهوره وانتشاره؛ في حين أن (الواتس اب) يقتصر على مجموعات محددة، هم في الغالب شلل وأصدقاء وأقارب، ويثق بعضهم ببعض، ما يعطيه نوعا من الخصوصية النسبية، وبالتالي قدرا من المصداقية أيضا، فيتشجع المتحاورون على تداول المعلومات، ونقلها إلى مجموعات أخرى، حتى تنتشر - صادقة أو كاذبة - انتشار النار في الهشيم وفي زمن محدود؛ خاصة إذا كانت مُثيرة. وغالبا ما تختلط المعلومة في الواتس اب بشخصية صاحبها، حتى ولو لم يكن هو مصدرها، وإنما ناقلها عن آخرين؛ فيصعب معرفة من أرسل المعلومة في الأساس، وهل لها مصداقية أم لا، وهل هي حقيقية أو مغرضة ذات أهداف. ومجموعات الواتس أب، أو (القروبات) كما تسمى في اللهجة الدارجة، أصبحت - فعلا لا قولا - مصدرا ذا تأثير ونفوذ وقوة في تشكيل الرأي، ليس لدى طبقة واحدة، وإنما في كل طبقات المجتمع، بحيث أصبحت (السرية) ومثلها الحرص على التكتم، شبه مستحيلة في الغالب، إذا لم تكن مستعصية تماما. وهذا الانفلات في السيطرة على تدفق المعلومات والتحكم فيها، ومقاومة الشائعات المغرضة، يفرض علينا واقعا جديدا، مؤداه ألا حل لمحاصرة مثل هذه الشائعات المشوهة وتفريغها من مقاصدها الدنيئة وتحصين المواطن والمقيم، من غوائلها، إلا بالشفافية، وعدم الإصرار على السرية العتيقة، بعد أن جعلت مخترعات التكنولوجيا الحديثة، وكأنها درع من زجاج؛ من يكابر ويصر عليها كما يفعل التقليديون، مثل من يجعل جدران منزله من زجاج شفاف، كل ما يجري فيه مكشوف للعيان. لذلك، فالشفافية والإفصاح، وعدم التكتيم والتدرع بالسرية، ليست مطلبا من مطالب المجتمع المدني المعاصر فحسب، وإنما هي ضرورة من ضرورات البقاء بالنسبة للحكومات؛ فكلما كانت حكومات اليوم المعاصرة أكثر شفافية، وتبادر إلى الإفصاح، وتضع المعلومة في متناول الناس، تكون تلقائيا أكثر ثقة وقوة ومنعة، وتصبح الشائعة المغرضة أوهى من بيت العنكبوت، لا تجد من يأخذها على محمل الجد والصدقية؛ والعكس صحيح تماما؛ فالحكومات التي تجعل الكتمان والسرية ديدنا لها، وتبالغ في وضع العقبات والقيود على المعلومات، فهي عمليا - ودون وعي منها - تروج لأي شائعة، وتجعل شعبها يبحث عن المعلومة الصحيحة، وتلقّط الأخبار، من أي مصدر كان، بغض النظر عن مصداقية المصدر؛ وهذا في نهاية المطاف ما يضعفها؛ ويزيد من التباعد بينها وبين قاعدتها الشعبية؛ فالحكومات التي تحجب الحقيقة، حتى وإن كانت مُؤلمة أو هي غير مشرفة، تكون في الغالب معرضة دائما للقلاقل والاضطرابات، ويكون من السهل ترويج المعلومات المغرضة التي تدفع الشعوب إلى الاضطرابات، وعندما يحاول المسؤولون فيها أن يضعوا الحقيقة رهن التداول لتدحض المعلومة المغرضة، تجد الشعوب تشكك فيها، ولا تصدقها بسهولة، لأنها تعودت على أن الشفافية مُغيبة، وليست ديدنا لها؛ ومن هنا تأتي الخطورة. وغنيٌ عن القول إن الحكومات الفاسدة، تكون دائما أحرص الحكومات على التكتم والسرية والبعد عن الشفافية والعمل في الغرف المظلمة، خوفا وهلعا من أن تكتشفها شعوبها؛ ويبررون ذلك للتمويه، أنها من متطلبات الحصافة والنجاح؛ في حين أن الحكومات التي ليس لديها ما تخفيه، وبالتالي ما تخشاه، تكون في الغالب حريصة على الشفافية والإفصاح عن كل شؤونها، من خلال وضع المعلومة كما هي على حقيقتها في متناول الجميع؛ فالمعلومة في هذا السياق تكون بمثابة دليل إثبات على نزاهتها. الأمر الآخر، أن ثمة فرق بين الإعلام المعاصر، والإعلام العتيق، الذي يعتمد على (الدعاية)، والترويج للإيجابيات فقط، وإخفاء السلبيات؛ فثورة الاتصالات التقنية التي نعاصرها، وسهولة الحصول على المعلومة، وتعدد مصادر الوصول اليها، جعلت منهج (الدعاية) في الإعلام أثرا بعد عين؛ من يصر عليه، ويتدرع به، فهو بمثابة من يتدرع بدرع من ورق شفاف، في معركة حامية الوطيس. إلى اللقاء