لم يدر بخُلد شيقيتاكا كوريتا وهو يبحث عن فكرة يعزز بها مبيعاته من أجهزة ال «بيجر»، وخرج خلالها بفكرة خاصية إرسال رمز القلب بين المراهقين من مستخدمي البيجر في طوكيو، أن المسألة ستتطور لتصبح أساساً للغة عالمية مفهومة في كل أصقاع الأرض. وازداد حرصه على الفكرة حين انتقل للعمل في العام 1999م مع شركة (إن.تي.تي دوكومو) التي كانت توشك على إطلاق منصة (آي-مود) للدردشة عبر أجهزة الهواتف المحمولة المتصلة بشبكة الإنترنت في اليابان. وفي هذه الشركة، أمهله رؤساؤه شهراً واحداً للخروج بفكرة تدفع المراهقين للتمسك بهذه المنصة الاتصالية دون غيرها، فقال كوريتا: «مساحة الدردشة تتيح 148حرفاً فقط، وهذا غير كافٍ! علينا أن نعوض عن هذا القصور بالصور التعبيرية!». وافق رؤساء كوريتا.. ليخرج في ذلك اليوم هائما في شوارع طوكيو للبحث عن إلهام يترجم فكرته! وبينما هو كذلك، تذكر كوريتا أنه كان يرى علامات تظهر في مسلسلات الرسوم المتحركة اليابانية (مانقا) للتعبير عن غضب أو خجل الشخصيات الكارتونية (وجه أحمر، وجه على جبينه قطرة..إلخ)، كما تذكر أن نشرة الأحوال الجوية كانت تستعين برسمة بسيطة للشمس للتعبير عن نهار صافٍ وخالٍ من الأمطار! من هنا، عاد هذا الشاب إلى رؤسائه ب 6 وجوه تعبيرية بعد تجوال لم يتوقف لعشرة أيام. وبنهاية المهلة المحددة ارتفع العدد ليصل إلى 180 «إيموجي»، انطلقت من خلالها خدمة (آي-مود) التي غرق في عشقها ملايين المراهقين اليابانيين، بل ونافسهم في عشق هذه الوجوه أمهات وآباء لم يكونوا ضمن شريحة التسويق المستهدفة في الأساس. اليوم، لا يوجد مستخدم للهواتف النقالة أو مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي لا يستمتع بإرسال وجوه الإيموجي. ومن الإحصائيات الموثقة في هذا الجانب فان هناك 470 مليون إرسالية على «تويتر» لوجه إيموجي الضاحك «أو الدامع من شدة الضحك» في الدقيقة الواحدة. ولك أن تتخيل عدد مرات استخدام وجوه الإيموجي في مختلف تطبيقات التواصل في زمننا هذا! وهذا ما دفع العالم إلى تطوير منظمة لا هم لها سوى توحيد الدلالة الرمزية للإيموجي واستبعاد العنصرية منها، فمستخدمو الإيموجي لم يعودوا يابانيين وآسيويين فقط «رمزية العرق الأصفر»، بل بات مستخدموه وعشاقه من كل جنس ولون على وجه البسيطة. لهذا، تنشغل منظمة اليونيكود بطرح خيارات لونية في الإيموجي لتناسب كل الأعراق والأجناس والأديان. السؤال هنا: هل كان الياباني شيقيتاكا كوريتا يتخيل كل هذا عندما زود شركة الاتصالات بأول 6 وجوه؟!، وهل كان يتخيل أن وجوهه سوف تدخل معاجم اللغات الحديثة؟، وهل كان ليجزم ولو للحظة أن الناس سوف ترسل ما مجموعه 6 مليارات إيموجي في اليوم الواحد عبر تطبيقات الدردشة؟ هذا بالضبط هو النجاح الذي لا يقدر بثمن، ولا يقاس بمكاييل الثراء المألوفة. هذا هو النجاح المستند إلى تحرير العقل وإطلاق الأفكار الخلاّقة المبنية على معطيات الفنون والثقافة الإنسانية. إنه بكل بساطة، ذاك النجاح الذي تجيده الأمم المتقدمة الحريصة على الوصول إلى الناس كما هم وليس كما يراد لهم أن يكونوا! لا عنف، لا إرغام ولا إقصاء.. بل معايشة وفهم للإنسان وحالات وجوده في هذه الحياة.