استخدم الإنسان القديم النار والدخان والطبول كوسيلة للاتصال في المجتمعات القديمة، واعتمد على الإشارات والإيماءات كوسيلة تواصل بينه وبين الآخر. وقال العالم ريتشارد باجيت إن اللغة الإنسانية بدأت بإشارات تطورت إلى صيحات، ثم ارتقت إلى كلمات تصاحب تلك الحركات، إلى أن بات الانسان يعتمد على الصوت أكثر من الإشارات. وعلى جدران الكهوف، استعمل الإنسان الرسوم والنقوش والصور للاتصال وتبادل الرسائل مع أفراد جنسه. ويبدو أن اليوم بات أشبه بالبارحة، اذ ارتد الإنسان إلى سابق عهده في استعمال الرسوم والنقوش كوسيلة تعبير. فمع الثورة الرقمية وظهور أجهزة الكمبيوتر، شرع الإنسان في التواصل مع الأخر من طريق المحادثات الإلكترونية. ولما كانت ملامح المتحدث وإشارات جسده تغيب في هذه المحادثات، إضافة إلى غياب تأثير الكلام في المتلقي، كان يحدث دوماً سوء فهم لما يقال، الأمر الذي دفع إلى ظهور مايسمى الرموز التعبيرية أو ال "إيموجي". وال "إيموجي" مصطلح ياباني يعني الصور الرمزية أو الوجوه الضاحكة المستخدم في كتابة الرسائل الإلكترونية. وأصل الكلمة هو نحت من كلمتيين يابانيتين هما: "E" التي تعني صورة، و "Moji" التي تعني حرفًا أو رمزًا. وابتكر رموز ال "إيموجي" الياباني شيجتاكا كوريتا، والذي كان يعمل حينها ضمن فريق شركة "إن تي تي دوكومو" للاتصالات. ومع اللانتشار الواسع للإنترنت والاستخدام اليومي لبرامج الدردشة، انتشرت ال "إيموجي"، لأن الأشكال والصور المختلفة تختصر عبارت طويلة وتعبر عن مشاعر الإنسان بصورة أفصح. وتختلف الرموز التعبيرية "إيموجي" عن تعبيرات الانفعال الرمزية (إيموشن) التي ابتكرها العالم سكوت فاهلمان في العام 1982، والتي تعتمد على علامات الترقيم. فعلى سبيل المثال، كان فاهلمان يشير إلى أنه مبتسم عن طريق وضع نقطتين وشرطة وقوس ": - )"، في حين ان "إيموجي" تقتصر على وضع صورة وجه مبتسم، ما يقدم خيارات متنوعة للتعبير تفوق الرموز المعتمدة على علامات الترقيم. وأصبحت "إيموجي" لغةً عالمية غير رسمية، يتداولها مستخدمو الهواتف الذكية ضمن محادثاتهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل، وعلى تطبيقات التراسل الفوري. وأصبح يوم ال 17 من تموز (يوليو)، يوماً عالميًا خاصاً بها. ويتساءل خبراء عما اذا كان استخدام تلك الرموز والتعابير سيؤدي إلى نشوء لغة جديدة. ويرى بعض اللغويين في انتشار ال "إيموجي" ضعفاً في اللغة المكتوبة. ومن جانب آخر، ترى المتخصصة في علم النفس الاجتماعي تينا غانستر في ال "إيموجي" طريقة مبدعة للتعامل مع صعوبات الاتصال الرقمي، معللة بأنها تشكل بديلاً عن التعابير غير اللفظية في الحياة الواقعية، كلغة الوجه والجسد ونبرة الصوت غير المتوافرة في النصوص المكتوبة. وشاطر عالم اللغويات بيتر شلوبنسكي، من جامعة "لايبنس هانوفر"، وجهة نظر غانستر في أن استخدام ال "إيموجي" لا يؤذي اللغة في شكل عام، مشيرًا إلى أنها لا تستخدم في كل مكان أو وقت، وإنما تقتصر على صور محددة للتواصل، كالرسائل القصيرة أو تطبيقات الدردشة. ويشير موقع "emojitracker.com" إلى أن أكثر ال "إيموجي" انتشاراً هي الرسوم التقليدية. ويحصي الموقع تعداد الرموز التعبيرية المضمنة في رسائل "تويتر" كافة بعد تصنيفها. واحتلت صورة "قلب الحب" المرتبة الأولى مع 241 مليون مرة، وكانت المرتبة الثانية من نصيب "دموع الفرح" برصيد 152 مليون مرة، في حين أتى الوجه الضاحك ثالثاً برصيد 85 مليون مرة. يذكر أن صحيفة "يو اس ايه توداي" الأميركية استخدمت ال "ايموجي"على صفحتها الاولى. وظهرت الرموز لتعبر عن مشاعر مثل الغضب والسعادة على كل خبر موجود في الصفحة الرئيسية للعدد الاسبوعي. وظهر مقال عن القصف الروسي لسورية مع وجه أحمر غاضب، في حين اعتلى وجه "دامع حزين" خبرًا عن طعن مواطن أميركي كان قد ساعد مؤخراً على إحباط هجوم إرهابي في فرنسا. وذكرت مجلة "تايم" أن شركة "إنتيلجنت إنفيرونمينت" البريطانية للتقنيات، قررت أضافة نظام إدخال كلمات السر لإدارة حسابات البنوك عبر الإنترنت باستخدام ال "ايموجي" بدلاً من رقم التعريف لمن يرغب من العملاء لإدارة حساياتهم البنكية عبر الإنترنت.