تعلمنا مصطلح tendencies fissiparous من بول كينيدي، أستاذ التاريخ بجامعة ييل الأمريكية، الذي استخدمه في كتابه الشهير «صعود وسقوط القوى العظمى» The Rise and Fall of Great Powers المنشور في عام 1988. وكلمة «انقسامية» مشتقة من الانقسام أو التفتت، وهو عكس الاندماج أو التلاحم. وبالتالي فإن الاتجاهات الانقسامية هي الاتجاهات التي تمزق الأشياء، مثل الاتحاد الأوروبي. وقد رأينا كثيرًا من هذه الاتجاهات في عام 2015، والزخم الذي تمتعت به ينبئنا بالكثير عما سيبدو عليه عام 2016. كتب كينيدي عن الاتجاهات الانقسامية في إطار تذكيرنا - وقد أصاب - بأن القوى العظمى تنهار فعلًا. فقد حذر من نمط مكرر يتمثل في «تجاوز القدرات العسكرية» ويمكنه أن يقود القوى العظمى إلى نهايتها. وعلى الرغم من أن النقاد اعتبروه متشائما أكثر مما يجب بخصوص آفاق أمريكا المستقبلية، إلا أن الأحداث التي شهدها العقد الماضي والتي بلغت ذروتها في الأحداث التي شهدناها مؤخرا (الانقسام بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط) يجعل بعضًا من تحذيراته يبدو ذا بصيرة نافذة. نود لو أننا نستطيع قول إن «كل شيء على ما يرام». نود لو أننا نستطيع التحدث عن الوئام والتعاون المتزايدين. لكن فلنحذر التصريحات السابقة لأوانها عن لحظة مغرقة في التفاؤل الساذج من لحظات التاريخ. فعلى الرغم من الإشادة والاحتفاء بالعولمة والوعي الكوكبي الناشئ الذي يسمو فوق الخلافات القديمة، إلا أننا لسنا كلنا واحدًا. فما يميزنا - نوعًا ما - هو اختلافاتنا، مهما كان هذا يبدو مؤسفا لأول وهلة. يسلط التقرير التالي الضوء على أربعة اتجاهات انقسامية مختلفة، وهي: أوروبا والتفاوت وصراعات الإسلام الداخلية وتردّي العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا. وأعلم أنه يستحيل بطبيعة الحال أن نلقي قدرًا كبيرًا من الضوء على الكثير جدًا من الموضوعات الكبرى في مثل هذه المساحة الصغيرة، لكن الهدف هو الكشف من خلال استعراضها جنبا إلى جنب بشكل سريع كيف تضخم علاقاتها المتشابكة ما تنطوي عليه كل منها من اتجاهات انقسامية. أوروبا نجح الأوروبيون في إحباط تهديد خروج اليونان من الاتحاد النقدي لمنطقة اليورو، لكن المشكلات البنيوية التي تعتري السياسة النقدية والمالية الأوروبية لم تحل. وقد أثار إعجابنا، شأن كثير من القراء، تشبيه الباحث لوك دي كايزر هذا الوضع بمأساة يونانية مطولة لم نر بعد آخر فصولها. والآن نجد أن وحدة أوروبا المحررة من الحدود الداخلية، تلك الوحدة التي تبجح بها الأوربيون كثيرًا ورجوْها كثيرًا، تتعرض لمزيد من الضغط تحت وطأة أزمة الهجرة، التي تفاقم أيضًا الصدام مع الإسلام الراديكالي وتهديد وقوع المزيد من الأعمال الإرهابية. تلتحم الضغوط والإجهادات التي تشكل الاتجاهات الانقسامية مع بعضها البعض مشكّلة حلقة متصلة تغلب عليها أنماط التشابك الممنهج والتعزيز المتبادل. فأزمة الهجرة تصعّد مشاعر كراهية الإسلام. وكراهية الإسلام تعزز الجناح اليميني. والجناح اليميني يريد إغلاق الحدود وإقامة الأسوار للحيلولة دون تدفق المهاجرين. والرقابة الحدودية الموضوعة لمنع دخول المسلمين تؤجج جاذبية الإسلام الراديكالي لدى الشباب المسلم العاطل. التفاوت لا تقتصر هذه التوترات على تمزيق أوروبا بلدًا من بلد وديانة من ديانة وثقافة من ثقافة، بل هي تنفجر أيضًا في بُعد رأسي يتمثل في التفاوت المتسارع. وكما عرّفَنا الاقتصاديُّ الفرنسي توما بيكيتي، فإن انحسار التفاوت الذي بدا مبشرًا طوال معظم القرن العشرين من الجائز تمامًا أن يتبين لنا أنه حالة شاذة لا قاعدة. ففي عصرنا المذهَّب الجديد، يزداد الأغنياء غنى، ويضج التسعة والتسعون في المائة الباقون بالشكوى. فكيف يضجون بالشكوى؟ عند صندوق الاقتراع. الزيادة المنذرة بالخطر في الأصوات الشعبوية التي أدلى بها الناخبون في بولندا وهنغاريا وفرنسا والولاياتالمتحدة، وسياسات رئيسة الوزراء البولندية بياتا سيدلو، ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، والسياسية الفرنسية مارين لو بان، والسياسي الأمريكي دونالد ترامب، رد فعل طبيعي تماما تجاه الخوف، بل الرعب، الذي يثيره تنظيم «داعش». وحتى فيما يرقى الأغنياء جدًا إلى ذرى جديدة في الحياة الرغدة المترفة، تضج الطبقات الوسطى المتسعة بالشكوى ممن ينافسونها بقوة، سواء أكان هؤلاء هم العمال ذوو الياقات الزرقاء الأمريكيون المحبطون من فقدان وظائفهم لصالح المهاجرين أو لصالح المكسيك وشرق آسيا، أو الأوروبيون القلقون من السوريين والأتراك ومواطني دول شمال أفريقيا. يحتل الخوف وانعدام اليقين قاعدة هرم ماسلو للحاجات الإنسانية، متمثلين في الحاجة إلى الأمن، الحاجة إلى مجرد البقاء على قيد الحياة. هذه الحاجة أساسية لا حاجة ترتقي بصاحبها كالحاجات الأعلى مرتبة في الهرم كالحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى التعبير عن الذات. وبينما تُظهر الشواهد الطولية المستمدة من دراسات القيم العالمية التي أجراها رونالد إنغلهارت مسيرة واضحة من التقدم على المدى الطويل نحو تلك الطموحات الأعلى مرتبة من أجل توازن سليم بين التضامن الجماعي والتعبير الفردي عن الذات، تبدو سنة 2015 أشبه بخطوة كبيرة إلى الوراء في تلك المسيرة الطويلة. في عام 1943 اقترح أبراهام ماسلو فكرة أن السلوك الإنساني مدفوع بحاجات معينة. ووفقًا للنظرية التي صاغها، يجب أن يلبي الشخص حاجاته الأساسية أولًا قبل أن يركز اهتمامه على الحاجات الثانوية أو رفيعة المستوى. يتم غالبًا تمثيل هذه التراتبية على هيئة هرم تحتل قاعدته الحاجات الأساسية والضرورية وتحتل قمته الحاجات الثانوية أو رفيعة المستوى. سوف تشهد سنة 2016 مزيدًا من الدلالات على وجود «صدام حضارات»، ذلك المصطلح الذي اشتهر على يد صمويل هنتنغتون في كتابه الذي حمل الاسم ذاته. لكن البعض ما زال ملتزمًا بوجهة النظر التي يرى فيها بعض المحللين أن الصدام الحقيقي ليس صدامًا بين حضاراتنا المتنوعة بقدر ما هو صدام داخل كل واحدة من الحضارات الكبرى، بمعنى صدام بين من صنعوا تلك الحضارة (من منظور عام، لا يشمل هذا مجرد القياسات الاقتصادية فحسب بل يشمل أيضًا الإنجازات السياسية والسيكولوجية والروحية) وبين من تخلفوا عن الركب. تزداد الهوة اتساعًا أكثر فأكثر مع كل خطوة نخطوها على طريق التقدم، وكل جيل جديد ننتجه من الهواتف الذكية، وكل سبيل جديد مدعوم تكنولوجيًّا يتاح لنا من سبل كسب العيش. من الصعب أن نرى كيف نقلص هذه الفجوة المتسعة دون الذهاب إلى حد وقف التقدم من ناحية (وهو احتمال مستبعد) أو الأخذ بيد الأشد تخلفًا عن الركب من ناحية أخرى. و«الأخذ بيد الأشد تخلفا عن الركب» لا يعني التنمية الاقتصادية فحسب. فصعود الإسلام الراديكالي شيء مختلف تمامًا عن ثورة الفقراء المدفوعة بدوافع اقتصادية. الإسلام المعتدل مقابل الإسلام الراديكالي في كتاب صدر في عام 2003 بعنوان الإرهاب والليبرالية Terror and Liberalism، رسم بول بيرمان صورة للإرهاب الإسلامي الراديكالي تبدو اليوم - بعد مرور 13 سنة - أوثق صلة بالواقع من أي وقت مضى. ويكرس المؤلف فصولًا عديدة من كتابه لحياة وكتابات المفكر والفيلسوف الإسلامي المصري سيد قطب، الذي أمضى السنوات الطويلة التي قضاها خلف القضبان في وضع تفسير للقرآن الكريم يقع في ثلاثين جزءًا. لو كان ماركس بالنسبة للشيوعية مثلما كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالنسبة للإسلام، فسيد قطب في الإسلام بمثابة لينين في الشيوعية. كان سيد قطب يرى أن المشكلة الكبرى فيما يخص الغرب والمسيحية والصهيونية هي عدم رؤية كلية الله، وأنه لا توجد كينونة لشيء إلا لله، الذي ينبغي أن نسلم له تمامًا. فالمسيحية، باستعدادها لأن تعطي ما لقيصر لقيصر، تأخذ من الله ما هو ملك له من وجهة نظر الإسلام. لقد انحرف الغرب - وخصوصًا على النحو الذي رسخه «الإصلاح الديني» الذي فصل الكنيسة عن الدولة - عن منهاج الحياة الذي يُخضع كل شيء لمشيئة لله. لا يعني بيرمان بقوله «الليبرالية» ذلك النوع من الليبرالية المقابل للنزعة المحافظة في السياسة الأمريكية، بل بالأحرى الميثاق العقلاني الأوسع الذي يربط بين أفكار حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والسوق الحرة. ويرى بيرمان أن إخفاق هذه الليبرالية بمعناها الأوسع في التعامل مع الإرهاب هو رفضها الاعتراف بدور اللاعقلاني في الشؤون الإنسانية، إخفاقها في تقبل احتمال أن تتصرف الجماعات الكبيرة من الناس بأساليب مَرضية على مدى فترات زمنية ممتدة. في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، حاول الناس تقبّل الرعب الذي أصابهم عندما خسر الشرف والبطولة في مواجهة تكنولوجيات الحرب الحديثة. فالميثاق الليبرالي بين العقلانية والتقدم، بين العلم والديمقراطية، قضى نحبه في وحل الخنادق. «كانت تلك هي السنوات التي انهار فيها المشروع الليبرالي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، السنوات التي بدأت فيها مبادئ الفكر العقلاني والتقدم الحتمي الساذجة تبدو - في بساطتها - شاذة وأفاكة. كانت تلك هي السنوات التي ظهرت فيها، في أعقاب الحرب العالمية مباشرة، الحركات الجماهيرية الجديدة لا لغرض آخر سوى إعلان أن المشروع الليبرالي القديم الذي يعود إلى القرن التاسع عشر ما هو إلا كذبة... كانت تلك هي السنوات التي حاول فيها «طلائع» النضاليين المتفانين قيادة البشرية وإخراجها من غمار فساد ورعب الحضارة الليبرالية إلى حياة جديدة، حياة صلبة راسخة موحدة، إلى عهد جديد من إمبراطورية الزمن الغابر التي عادت إلى الحياة، عصر النقاء والخلود. كانت تلك هي سنوات الزعماء الأبطال والرجال الخارقين والعباقرة الذين بدوا - على جنونهم الواضح - ممتزجين بشيء إلهي». أيبدو هذا مألوفا؟ الشيء الأكثر إثارة للقلق في هذه السطور المقتبسة من كلام بيرمان هو تناغمها التام مع الشعارات التي تصدر عن كلا طرفي الاتجاهات الانقسامية. ففي خطاب المسلمين الراديكاليين وفي الشعارات الشعبوية الممتدة من بولندا إلى دعوة ترامب إلى جعل أمريكا أمة عظيمة من جديد، نجد المتطرفين يخدمون بعضهم بعضًا. فهم بتطرفهم يغذون بعضهم بعضًا. كيف يمكن لأي خير أن يخرج من قلب المستنقع الشيطاني الذي نسميه أوروبا المعاصرة؟ فلا شيء يضاهي زيادة ضخمة في الهجرة الوافدة كوسيلة لعلاج الانهيار الديمغرافي. فألمانيا وفرنسا والمجر وإيطاليا واليونان - وكلها بلدان يجتاحها مهاجرون من سوريا وشمال أفريقيا - تشهد إخفاقًا في إنجاب ذرية من أرحامها. لا تستطيع هذه البلدان إخراج ما يكفي من أطباء ومحامين لخدمة سكانها الطاعنين في السن. وأما المهاجرون فمن بينهم مهنيون كثيرون ينتمون إلى الطبقة الوسطى والشريحة العليا من الطبقة الوسطى وليس من صعاليك الأرض، ويمكن لهؤلاء أن يكونوا بمثابة الطبقة العاملة التي تلبي حاجات متقاعدي أوروبا المسنين ورغباتهم. آهٍ لو استطاع الناس الانسجام مع الغرباء! وهنا مكمن انعدام اليقين. فحتى الآن ظهرت أوروبا بمظهر الأقل قدرة حتى من الولاياتالمتحدة على إدماج المهاجرين إليها. لكن من يدري، فربما بقدْر ما أن كثيرًا من المهاجرين الحاليين أرقى تعليما وأعظم مهارة من الموجات السابقة من «العمال الضيوف» الأتراك، فمن الجائز أن يشكلوا تهديدًا أكثر من أن يقدموا حلًا. على أية حال، الإدماج يصير ممكنًا بزيادة ولو ضئيلة في المخالطة الاجتماعية على مر السنين، وخفض ولو ضئيل في العزلة والعيش في الغيتوهات. وهناك أناس يعكفون منذ سنوات على ما يسمونه «لم شمل العائلة الإبراهيمية». وهناك احتمال أن يتم التوصل إلى وئام، على أعلى مستوى من التوفيق بين المتعارضات في العقائد الدينية وعلى مستوى الأشخاص العاديين الذين يتعاملون مع بعضهم بعضا في الأسواق. المدن تجمعنا في وسط مديني. ودبلوماسية المواطنين تجمع المعلمين بالمعلمين ورواد الفضاء الغربيين برواد الفضاء الشرقيين والأطباء بالأطباء. إننا نتعلم، على المستوى الفردي، كيف نختلط. المشكلة ليست صدامًا حتميًا بين الحضارات أو الثقافات أو المعتقدات، فالحضارات يمكن أن تمتزج، كما كان حالها دائما، وإنْ يكن بسرعة أقل. حرب باردة جديدة؟ تمتد الاتجاهات الانقسامية في العالم في وقتنا الراهن لتطال الشقاق بين روسياوالولاياتالمتحدة. كيف نمضي إلى هذا الحد دون أن نأتي على ذكر أوكرانيا؟ شبه جزيرة القرم؟ دونباس؟. العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا الآن أسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. أم أنها ليست كذلك؟ لقد أجبرت روسياالولاياتالمتحدة على التراجع عن الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس أوباما في سوريا بتدخلها لاستلام مخزون الرئيس بشار الأسد من الأسلحة الكيماوية. كما أنقذت روسياالولاياتالمتحدة من المتاعب في إيران بتدخلها لاستلام مخزون إيران من اليورانيوم. على الرغم من كل الوعيد والتظاهر على كلا الجانبين، يبدو أن روسياوالولاياتالمتحدة تتعاونان بنجاح على عدد من الجبهات، التي ليس أقلها الكفاح ضد تنظيم «داعش»، فضلًا عن تعاونهما في الجهود الرامية إلى لجم التهديدات العدوانية النابعة من الصين وكوريا الشمالية. على الرغم من حقيقة أن مهاجمة بوتين تعتبر مادة جذابة في وسائل الإعلام، إلا أن مصالح الغرب ومصالح روسيا هي من نواح كثيرة شديدة التوافق أكثر من مصالح القوى الكبرى الأخرى، حيث يحجب مظهر الاتجاهات الانقسامية من ورائه ترابطًا على مستوى أعمق، ترابطًا في الثقافة وفي الدين وفي الرأسمالية الديمقراطية، وإنْ كان هذا يصطبغ بظلال مختلفة اختلافا بيِّنًا. الخلاصة الهوة بين من حققوا التقدم ومن تخلفوا عن الركب، في كل واحدة من حضاراتنا الكبرى تزداد اتساعًا أكثر فأكثر. والنقمة والسخط والغضب تزداد تأججًا أكثر فأكثر. هناك مشكلة مع الإرهاب والليبرالية، وقد وضع بيرمان إصبعه عليها. فهناك ميل من جانب الليبراليين إلى اعتقاد أن الإرهابيين يمكن استمالتهم بالإغراء الوطني والإصلاحات، لكن هذا غير صحيح. فلن يرضى الإرهابيون بما هو دون الثورة، بما هو أقل من التسليم المطلق لدولة دينية وإرادة الله وفق تفسير الملالي. وإنّ هذا التطرف، هذه الكُلّانية الشمولية التي تحتل صميم العقائد الإسلامية، هي التي تغذي وتعزز الراديكالية الإسلامية الموجودة على أقصى طرف ديانة يعتبر قلبها فيما عدا ذلك معتدلًا. يقول جاي أوغليفي، من هيئة تحرير «ستراتفور»، في تحليل له نشرته المؤسسة الأمريكية المعنية بالتحليلات الجيوسياسية والاستراتيجية: «إني أتجاسر على القول بأن مفهوم كُلانية الإسلام هو أهم مفهوم قال به سيد قطب، الذي كان يرى أن مفهوم الكلانية يميز الإسلام عن جميع الرؤى العالمية الأخرى... فكل صفحة من صفحات كتاب في ظلال القرآن يمكن أن يُنظر إليها كتفسير لإقرار واحد هو «ألا إله إلا الله». فكل فكرة جديدة أو موضوع جديد أتاح لسيد قطب فرصة جديدة لكي يبين أن الطبيعة والإنسان والتزامات الإنسان تنبع من مصدر واحد هو الله. والإسلام هو الإقرار بتلك الحقيقة الغامرة». إنك لا تسمع كلامًا كثيرًا عن الراديكالية البوذية. والهندوس يمكنهم أن يتطرفوا، وخصوصًا عندما يدفعهم المسلمون إلى ذلك. واليهودية لديها جناحها المتشدد. والمسيحية لديها متعصبوها. كل الديانات الكبرى فيها متطرفون. لكن مثلما زعم سيد قطب نفسه، هناك شيء فريد في علم العقيدة الإسلامية، وفي كلانيتها، وتلك الكلانية تشتمل في داخلها على شمولية ناشئة، على حد قول بيرمان. ويعارض جاي أوغليفي مقولة سام هاريس بأن الإسلام هو «منبع كل الأفكار السيئة»، قائلًا: «هناك جمال وبهاء في الإسلام. لكني كأجنبي يكاد لا يعرف شيئا عن القرآن، ناهيك عن تفسير سيد قطب بأجزائه الثلاثين، أرى فكرة صائبة في تشجيع أصدقائنا المسلمين المعتدلين لتشجيع إخوانهم في الدين الأقل منهم اعتدالًا لكبح جماح تطرف الإسلام الراديكالي». ويضيف جاي أوغليفي، الذي انضم بعد عمله كأستاذ للفلسفة في جامعة ييل، لمعهد ستانفورد للبحوث السابق في منصب مدير البحوث: «إنهم وحدهم القادرون على هذا. الاتجاهات الانقسامية بين المسلمين في يومنا هذا، بين السنة والشيعة وبين مختلف أمم الشرق الأوسط، هي الآن متطرفة. الحرب الأهلية بين المسلمين (وهي ليست صدام حضارات) أشد إثارة للقلق على المدى الطويل من الاتجاهات الانقسامية التي تشطر الأغنياء في مواجهة الفقراء أو الشعبويين في مواجهة المهاجرين أو روسيا في مواجهة الغرب. فهذه الاتجاهات الانقسامية تحتوي في طياتها ما يدعو إلى التفاؤل، وفي ثناياها اتجاهات مضادة لها. وأما الاتجاهات الانقسامية بين المسلمين فتهدد بانقسام من نوع غير نووي. والانقسام في الإسلام لن يزيد صور التطرف السياسي الأخرى إلا تفاقمًا». الجناح اليميني بأوروبا يريد إغلاق الحدود لمنع تدفق اللاجئين الانقسام في الإسلام لن يزيد صور التطرف السياسي الأخرى إلا تفاقمًا