من أين أبدأ.. أأبدأ من مدارس تغرق من قطرة ماء، أم من شوارع تستحيل لبحيرات بل وتُخرج ما بباطنها من مياهٍ ملوثة وغيرها، أم من قرارٍ بتعليق الدراسة يأتيك في الثلث الأخير من الليل! تتكرر أمام ناظري صور لأطفالٍ أثقلت كاهلهم حقائب (ملونة) فرحوا كثيرا بشرائها لألوانها الزاهية وجيوبها المتعددة وهم لا يعلمون أنها ستحني ظهورهم بعد أن ملؤوها بكل ما يطلبه منهم معلموهم، ليس والله -في غالب الأمر- حبا لهم ولكن رهبة من التأنيب أو خوفا من العقاب. قبل أيام شاهدت طفلتين صغيرتين محدودبتي الظهر تحملان حقيبتيهما، خارجتين من مدرستهما التي فاض الماء من مدخلها الرئيس! وقفتا تتلفتان بنظريهما يمنة ويسرة لعلهما تجدان طريقا تعبرانه في شارع ضاعت ملامحه بعد أن تجاوز الماء رصيفه. انتابتني لحظتها مشاعر متضاربة ما بين حزنٍ وتأنيب وغضب، فالمدرسة حكومية لكنها من الواضح أنها لم تُبن بكفاءةٍ عالية او لنقل سليمة، والشارع هو الآخر لم يعبد ويرصف بشكل صحيح يراعي من يعبره، ومجاري المياه (تحت الارض) لم تكن بتلك الجودة التي تصرف ما بباطنها وتستوعب أية مياه طارئة.. بل الأهم من كل هذا وذاك (حياة) أبنائنا وبناتنا خاصة الصغار منهم الذين يغادروننا كل يوم لروضاتهم او لمدارسهم مؤملين عودتهم، لنتفاجأ بان الدراسة (علقت). عجبا هل الظروف المناخية مع ما وصلنا إليه من قدرةٍ على معرفة مناخ السنة القادمة والتي تليها تصبح طارئة! أم ان المسؤول متردد في اتخاذ قرار التعليق من عدمه.. لقد سئمنا من جعل أطفالنا حقولا للتجارب المنهجية والبرامجية والمناخية. هلا نظرنا إلى دولٍ استوائية لا يكاد يمر يوم فيها دون أمطارٍ تدوم لساعات، ودولٍ أخرى تحيط بها البحار من كل جانب تتعرض بين الوقت والآخر لفيضانات تُغرق ساكنيها وتزيل معالم قُراهم، ومع ذلك فقد صنعوا الطائرات والسيارات بل وصنعوا الهواتف المحمولة التي نتقن التغريد من خلالها لكننا لم نتقن أن نصنع مثلها. ألا نرى أن من الأولى تكريس الطاقة للعمل على تهيئة بيئة مدرسية جاذبةٍ بدءا بحافلات نموذجيةٍ مرورا بمبنى مدرسيٍ مهيأ للتعليم وانتهاء بمنهجٍ علميٍ يناسب قدرات أبنائنا ويواكب عصرنا ويعكس حاجتنا الآنية والمستقبلية ومعلمٍ كفء في مظهره ومخبره يعي المادة جيدا ويتقن شرحها وإيصالها للطالب.. أقول يا سيادة الوزير، ألا ترى أن كل هذا أجدر بالاهتمام وتكريس الطاقة للعمل، بدلا من إصدار توجيهات مشددةٍ بعدم تعليق الدراسة بل وتشكيل لجان لتعويض أيام النقص!!.