شراء المضاد الحيوي من الصيدلية صار أسهل من شراء علكة من البقالة، ذلك ما يحدث تماما لدينا وحين يصل العبث إلى هذا الحد فثمة مشكلة ما بالتأكيد. يحدثني أحد الأصدقاء وهو ممن درس في بريطانيا عن القيود الطبية والأنظمة العلاجية التي تمنع صرف المضادات الحيوية للمرضى إلا في الحالات المرضية القصوى ويحددها الطبيب بعد الفحوصات والتحاليل وغيرها في الوقت الذي من المستحيل أن يصرف الصيدلي دواء يصنف على أنه من المضادات الحيوية إلا بوصفة طبية معتمدة وموثقة، وان صرف المضاد الحيوي لأي مريض دون وصفة طبية قد يعرض الصيدلي والصيدلية للملاحقة القانونية الصارمة. ويذكر صديقي أن أحد أطفاله أصيب بوعكة صحية وهي نزلة برد تطورت إلى أنفلونزا يقول: ذهبت إلى الطبيب وبعد الفحص السريري المعتاد لم يكتب له الطبيب إلا دوائين فقط أولهما محلول قطرة الأنف المكونة من الماء والملح والثاني خافض للحرارة وحين سأله عن إمكانية صرف مضاد حيوي لطفله رفض الطبيب الإنجليزي بامتعاض مستغربا السؤال وأوضح أن المضادات الحيوية لا تصرف إلا في حالات مرضية معينة وأن حالة طفله لا تستدعي ذلك ثم بين أنهم لا يصرفون المضاد الحيوي حتى يتركوا لمناعة الجسم الداخلية تأخذ دورها في مقاومة المرض وهذا أفضل للمريض حاليا ومستقبلا. وليت ذلك الطبيب الإنجليزي رأى ما يحدث لدينا من فوضى في صرف المضادات الحيوية سواء من الأطباء أو من الصيادلة. أحد الزملاء هنا راجع مع طفلته ذات الأشهر العشرة مستوصفا خاصا وبعد الفحص من الطبيب كتب له ستة أدوية بين مضاد حيوي وخافض للحرارة وقطرات للأنف وشراب للكحة وغيرها، يقول زميلي: قلت في نفسي لو أنني استخدمت هذه الأدوية لأضفت إلى مرض طفلتي الصغيرة مرضا آخر إذ كيف لطفلة لم تتجاوز العشرة أشهر أن تتحمل هذه القائمة الطويلة من المستحضرات والأدوية. الغريب يقول الزميل إنني سألت أحد الصيادلة عن سبب كتابة هذا الكم الكبير من الأدوية فقال: قد يكون ذلك الطبيب ضعيفا في تخصصه فهو يكتب أكثر من دواء متوقعا أنه وبالتجربة إن لم ينفع أحد الأدوية سينفع الآخر وتخيل أخي القارئ كيف أن الإنسان وحياته أصبح حقلا لتجارب أولئك الأطباء المحتالين. ومما تؤكده الوقائع أنه حين يتنصل الطبيب من وظيفته الرسالية ومهنته الإنسانية فلا تسل عن النتائج الكارثية المترتبة على ذلك فمما يؤسف له أن ما يوصف من أدوية وخاصة المضادات الحيوية في بعض المستشفيات التجارية ليس الدواء المناسب لحالة المراجع المرضية وليس الدواء الأكثر جودة والأقل أعراضا بل للأسف أن ما يتم صرفه هو الدواء الذي يروج له ويسوق من مندوبو الأدوية وشركاتها وبالطبع فكلما كتب الطبيب ذلك الدواء التجاري بكثرة زادت النسبة التي تدخل حسابه آخر الشهر من هذه الشركة الدوائية أو تلك. ويبدو أن فوضى المضادات الحيوية آخذة في التداعي السلبي والاتساع الأفقي والرأسي فقد ذكر أحد المختصين أن بعض مشروعات الدواجن وبعض مربي الأغنام والأبقار والإبل أصبحوا يخلطون الأعلاف بالمضادات الحيوية الرخيصة أو المنتهية الصلاحية وذلك وقاية لإنتاجهم من النفوق وزيادة في التسمين، وعندما نعرف أن تلك اللحوم البيضاء والحمراء الملغمة بتلك المضادات ستصل في النهاية إلى المستهلك النهائي وهو أنا وأنت فلنا أن نعرف مدى التأثير في ضعف الجهاز المناعي في أجسامنا والكثافة السمية التي ستتغلغل في أجسادنا وتعرضنا للأمراض بسهولة هذا عدا طول مدة المرض وحدته وآثاره الخطيرة. ومما يؤكده الأطباء المختصون أن تلك العشوائية المقيتة في صرف ووصف وتناول المضادات الحيوية ساهم في نشوء جيل جديد من الفيروسات والميكروبات التي لم تعد المضادات الموجودة الآن قادرة على مجابهتها والقضاء عليها. لست طبيبا إنما ذكرت ما ذكرته آنفا من زاوية اجتماعية ابتداء أو نقلا من المختصين ولأضع هذه المشكلة المستعصية على منضدة وزارة الصحة والأطباء المسئولين ليدلوا بدلوهم ويقوموا بدورهم قبل أن يفوت الاوان حينها لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب.