رواية «ريكامو» الصادرة عن دار زينب في تونس، للكاتب والصحفي التونسي يوسف رزوقة فازت مؤخرا بجائزة الإبداع الروائي بمعرض تونس الدولي للكتاب أبريل الجاري. وزع الروائي نصه على عشرين فصلاً، منحها اسم «نوبة»، ورقّمها ترقيما متتاليا، «نوبة واحد، نوبة اثنان، وهكذا»، بعد أن استهلها بعنوان مختلف: «نوبة الالتفات»، معبرا عن الهموم التي تخاتل النص، مستعيرا أربعة لكل من عبدالرحيم البيساني عن هم الكتابة، وابن خلدون عن انهيار الدول، وكازانتزاكيس الذي يحضر بظله، وأخيرًا جلال الدين الرومي عن المحبة المنعتقة من أسر المكان. بعدها جاء بعنوان «نوبة الدخول» وهي بمثابة مدخل للحكاية يباشر منها سرديته. التزم الروائي بأن يستهل كل نوبة من النوبات بما يشبه التلخيص أو الإشارة إلى الحدث الأبرز، وكأنه يبتكر لسرده ملخصا على طريقة البحوث الكبرى. بينما يقدم تفاصيل حكايته بمهارة وتحكم مراعيا المتلقي تاركا له مساحة التفاعل مع النص محققا له المتعة والتشويق والتسلية عبر الأحداث المتداخلة والخلطة الروائية المحكمة بين العام والخاص. تتصدر الثورة التونسية بشكل خاص، وانتفاضات الربيع العربي بشكل عام، أحد أهم هموم الرواية، وما آلت إليه هذه الثورات من انحدار واغتصاب من قبل الجماعات الدينية والإسلام السياسي. كما حضرت قضية الإرهاب بقوة، والإقصاء والتغيير الديموغرافي الموجه والمدار بالعنف، كالاعتداء على المسيحيين ودور عبادتهم، وسيطرة الحركات المتطرفة على المجال العام، وقضية المرأة، التي كانت بارزة في الرواية، مثلما كانت الشخصيات النسائية فيها هي الشخصيات البارزة والفاعلة والمؤثرة في النص. بينما (شمار) الشخصية الأساسية الذكورية، فيبدو وكأنه يدور في فلك الشخصيات النسائية، كما أنه يشكّل ذاكرة التاريخ والأحداث فيه، ماسحًا التاريخ الحديث لتونس، منذ الاستقلال وحتى الوقت الحالي الذي آلت إليه بعد الثورة، عن طريق ثلاثة أجيال، موسى أكهو أو موسى الرملي، الملقب بالبارون وزوجته ابنة العمة شامة شمامة، اللذان قاما بالسطو على حياة الشعب بتبنيهما ياسة ابنة العائلة الفقيرة، حيث تتماهى قصتهما مع قصة الرئيس المخلوع وزوجته. ياسة الرملي، وشمار العسلي، بطلا الرواية، تجمعهما قصة حب مختلفة، انطلاقًا منها تُنسج الرواية، وإذا كان الروائي يعنون الفقرات في الفصول بكلمة «ريكامو» لتشكل جملاً مختلفة، فإن التناغم يبدو جليًا بين الكلمة وبنيان النص. و«الريكامو" كما تكشف الرواية في خواتيمها، نسيج من الدانتيلا المخرّم. ياسة هي ابنة بالتبني لأحد الأغنياء الذين أثروا على هامش الفساد، تبناها نزولاً على رغبة زوجته العاملة في أحد المصانع التي يمتلكها، سطا على حياتها منذ كانت وليدة في ساعاتها الأولى لأسرة من الريف، تقطن وادي العسل. تكبر ياسة في جو من الرياء والنفاق والانحلال القيمي، وتكتشف حقيقتها في عمر المراهقة، لتبدأ رحلة التمرد في مشوارها الطويل، يصورها السارد كشخصية جموحة ثائرة. يُذكر أن «ريكامو» هي الرواية الرابعة لرزوقة (59 عامًا) بعد «الأرخبيل» و«مسمار تشيخوف» و«وداعا براءة العالم»، ناهيك عن الأعمال الشعرية والكتابات البحثية والمقالات.