إذا دخلت الولاياتالمتحدة فترة ركود، هذا العام، فقد ينتهي بها الحال كثيراً، وكأنها محادثة مملة في حفلة كوكتيل: طويلة وضحلة بشكل مؤلم. لدى أكبر اقتصاد في العالم مجموعة من نقاط القوة، بدءاً من المصارف المرسملة بشكل جيد إلى الأسر المعيشية المستقرة مالياً، الأمر الذي ينبغي أن يساعد في الحد من عمق الركود الذي ينبغي أن يحدث. مع ذلك، ومع وصول أسعار الفائدة بالكاد أعلى من الصفر، تعاني رئيسة المصرف الفيدرالي الاحتياطي جانيت ييلين وزملاؤها من نقص في التدابير لإخراج الاقتصاد بسرعة من الهوة، بحسب ما يقول خبراء الاقتصاد. قال كيفن لوجان، كبير خبراء الاقتصاد للمنطقة الأمريكية لقسم الأوراق المالية في إتش إس بي سي (الولاياتالمتحدة) في نيويورك: "فيما لو حدث الركود، ربما يكون ضحلا لكن نوعا ما أكثر امتدادا من تلك الفترات التي حدثت في 1990 و2001 لأنه لا يمكن خفض أسعار الفائدة كثيرا". لكن تلك الفترات من الركود دامت 8 أشهر وكانت معتدلة بحسب المقاييس التاريخية. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي من الأعلى إلى الأدنى بنسبة حوالي 0.3 بالمائة في عام 2001. وانخفض أيضا بنسبة 1.3 بالمائة على هذا الأساس من عام 1990 حتى عام 1991. في المقابل، كانت فترة الركود ما بين 2007 و2009 هي الأعمق والأطول منذ الكساد العظيم. واستمرت ل18 شهرا وشهدت انخفاضا في الناتج بنسبة 4.2 بالمائة. إذا بدأ الركود بالفعل هذا العام، فإنه "ربما يبدو شبيها أكثر بفترات الركود التي سادت في العام 2001 أو الفترة بين 1990 و1991"، بحسب ما قال بروس كاسمان، كبير خبراء الاقتصاد في جيه بي مورجان تشيس في نيويورك. كما قال أيضا: "إنه لن يحمل نفس النوع من الاضطرابات المالية والتوتر الذي كان مرتبطا بالركود الأخير". وحيث إن الاقتصاد العالمي يبدو هشا والأسواق المالية تبدو غير مستقرة، ارتفعت فرص حدوث تراجع أمريكي، وفقا لخبراء الاقتصاد الذين شملهم الاستطلاع الشهر الماضي، الذي أجرته بلومبيرج. وقد نوقعوا أن تكون احتمالات الركود خلال الأشهر ال12 المقبلة عند نسبة 20 بالمائة، مرتفعة عن النسبة السابقة في ديسمبر والتي بلغت 15 بالمائة، استنادا إلى متوسط تقديرهم. السبب الرئيسي الذي يجعل كثيرا من خبراء الاقتصاد يراهنون ضد حدوث انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، هو نفس السبب الذي يجادل ضد حدوث انخفاض عميق. إن الولاياتالمتحدة خالية في معظمها من أنواع التشوهات الاقتصادية التي يمكن أن تتسبب في خفض الناتج بشكل حاد. قال بيتر هوبر، المخضرم الذي عمل لمدة 26 عاما في الاحتياطي الفيدرالي، والذي يعمل الآن كأحد كبار خبراء الاقتصاد لدى بنك دويتشه للأوراق المالية في نيويورك: "خلافا لتراكم المخزون، ليس لدى الولاياتالمتحدة أي اختلالات كبيرة". تباطأ النمو إلى نسبة 1 بالمائة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2015 من أصل 2 بالمائة في الفصل الثالث، جزئيا لأن الشركات قلصت تراكم مخزوناتها. وقطاع الإسكان، بؤرة الأزمة الأخيرة، بعيد عن المستويات العصيبة التي سادت في الفترة التي سبقت ذلك الانكماش. وبلغت نسبة التشييد والبناء السكني حوالي 3.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، تقريبا نصف حصتها البالغة 6.5 بالمائة في عام 2005. وديون القروض العقارية هي الآن أقل من مستواها القياسي المرتفع في عام 2008 بما يزيد على 1.1 تريليون دولار. وفي الوقت الذي كانت فيه أسعار المساكن آخذة في الارتفاع، إلا أنها استعادت مؤخرا فقط كل المسافات التي فقدتها خلال فترة الكساد. والمستهلكون الآن في وضع أفضل كثيرا من الناحية المالية بعد قضاء سنوات من العمل على إلغاء الديون التي تراكمت خلال طفرة قطاع الإسكان. وهذا يعتبر أمرا حاسما لأن نفقات الاستهلاك الشخصي بلغت في مجملها أكثر من 68 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015. تقترب عمليات التخلف عن السداد على بطاقات الائتمان الصادرة عن المصارف من أدنى مستوى لها في 15 عاما. ومعدل الادخار هو أعلى كثيرا مما كان عليه في نهاية فترة التوسع السابقة. والعمال يبدأون للتو في أن يروا دلالات على حدوث ارتفاع في نمو الأجور منذ أكثر من ست سنوات بعد انتهاء الركود. قال جيمز سويني، كبير خبراء الاقتصاد لقسم كريدي سويس للأوراق المالية (الولاياتالمتحدة): "بالنسبة لقطاع الأسر المعيشية في الولاياتالمتحدة، كانت القوة الدافعة الكامنة كبيرة". كما أن المصارف أيضا تبدو أقوى. حيث انخفض عدد المؤسسات المالية المدرجة على ما يسمى بالقائمة المضطربة التابعة لشركة تأمين الودائع الفيدرالية إلى أدنى من 200 مؤسسة خلال الربع الرابع وللمرة الأولى منذ أكثر من سبع سنوات. ويقف إجمالي رأس المال الصناعي الآن عند 1.8 تريليون دولار، أعلى مما كان عليه في نهاية فترة الركود بنسبة 25 بالمائة، وفقا لرابطة المصرفيين الأمريكيين في واشنطن. قال حيمز تشيسين، كبير خبراء الاقتصاد في الرابطة: "إن المصارف مستعدة بشكل جيد لحدوث أي تباطؤ على الصعيد المحلي أو العالمي". هنالك جيوب من الضعف المحتمل، بالطبع. ويبدي كازمان قلقه من أن الشركات سوف تخفض إنفاقها وتوظيفها استجابة للضغط على إيراداتها. وربما انخفضت الأرباح التي تقاس من قبل مكتب التحليل الاقتصادي بنسبة 7 بالمائة في الربع الرابع من عام 2015 مقارنة بالعام السابق، بحسب ما قال في فيديو تم تسجيله في التاسع عشر من فبراير ونشره من قبل جيه بي مورجان. ربما يأتي الخطر الأكبر على الاقتصاد من خارج الولاياتالمتحدة. يقول الخبير الاقتصادي ديفيد ليفي: إن البلد يتجه بالفعل نحو الركود، بسبب الانهيار الاقتصادي في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة الأخرى. وهو يرى أن الاقتصاد العالمي يعاني من تراجع أسوأ من ذلك الذي حصل في عام 2008، عندما انخفض الناتج بحوالي 2 بالمائة. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الولاياتالمتحدة أفضل حالا نسبيا من وضع الكثير من بقية الدول في العالم، إلا أنها ليست قوية بما يكفي بحد ذاتها لكي تتحمل الضربة القادمة لها من الخارج، بحسب ما أضاف رئيس مركز التنبؤات جيروم ليفي في ماونت كيسكو، نيويورك. والخطر الكبير، وفقا لليفي ، هو قدرة الاحتياطي الفيدرالي المحدودة لمواجهة أي ضعف اقتصادي. خلال فترة الركود التي سادت في عام 2001، قام البنك المركزي في الولاياتالمتحدة بخفض معدل الفائدة على ودائع البنوك المستهدفة لديه بنسبة 5.5 نقطة مئوية، لتصل إلى نسبة واحد بالمائة في عام 2003. من عام 1990 إلى 1992، قام بتخفيضها بنسبة 5.25 نقطة مئوية لتصل إلى 3 بالمائة. يقف هدف الاحتياطي الفيدرالي بالنسبة للمعدل الذي تتقاضاه المصارف التجارية من بعضها البعض فيما يتعلق بالقروض السريعة عند حوالي 0.25 بالمائة إلى 0.5 بالمائة فقط بعد أن رفعه البنك المركزي في شهر ديسمبر للمرة الأولى منذ عام 2006. قال كاسمان: "نحن لسنا مستعدين لشيء يمكن أن يتسبب في تراجعنا أكثر، ولكننا لسنا أيضا في وضع يسمح لنا بالحصول على نفس النوع من دعم السياسات الذي نحصل عليه عادة عندما ندخل في فترة ركود". وفقا لجان لويس، كبير الخبراء الاستراتيجيين في السوق، النتيجة هي: الركود، فيما لو حدث، "فإنه من المرجح أن يكون ركودا طويلا يقوم بالتحسن بشكل بطيء."