تحدثنا في المقال السابق عن بعض الجوانب النظامية المتعلقة بكيفية إيقاع الحجز التنفيذي على عقارات المدين، وعن بعض الإجراءات والتدابير التي يلجأ إليها قاضي التنفيذ لإجبار المدين على التنفيذ في حال رفض الأخير الاستجابة للتنفيذ، وتطرقنا بعد ذلك لكيفية إيقاع الحجز التنفيذي على المزروعات والثمار المملوكة للمدين. ونستأنف الحديث اليوم عن بعض الجوانب النظامية الأخرى للحجز التنفيذي، فبعد توقيع الحجز التنفيذي على ممتلكات المدين سواء أكانت عقارات أم منقولات يتم بيعها بالمزاد العلني، من أجل تمكين الدائنين من استيفاء ديونهم من الأموال الناتجة عن بيع ممتلكات المدين. ويتم تحديد مكان البيع بالمزاد العلني بواسطة قاضي التنفيذ بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، كوزارة التجارة على سبيل المثال. وتتم إجراءات البيع عبر المزاد العلني وفقًا لشروطٍ وضوابطٍ محددة أهمها الإعلان للعامة، ويتم البيع لمن يشتري بالسعر الأعلى، شريطة أن يكون مماثلا لسعر التقويم أو زائدًا عليه. ويتم تحرير محضر من قبل مأمور التنفيذ يثبت فيه ما تم من إجراءات، ومقدار الثمن، وبيانات من رسا عليه المزاد، ثم يصدر القاضي قرارًا بترسية المزاد على هذا الشخص بعد تحصيل المبلغ لحساب محكمة التنفيذ. أما بالنسبة لكيفية توزيع حصيلة التنفيذ على الدائنين، فقد نصت المادة السابعة والخمسون من نظام التنفيذ الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/53) وتاريخ 13/8/1433ه، على أن: «توزع حصيلة التنفيذ بأمر من قاضي التنفيذ على الدائنين الحاجزين ومن يعد طرفًا في الإجراءات». فإذا كان الحاجز هو دائن واحد فإنه يستوفي حقه مباشرة من حصيلة التنفيذ إذا كان المال المنفذ عليه كافيًا للوفاء بدينه، أما إذا لم يكن هذا المال كافيًا للوفاء، فيمكنه أن ينفذ على أية أموال أخرى للمدين. وفي حالة تعدد الدائنين فإنه يتم توزيع حصيلة التنفيذ على من قاموا بتقديم سندات التنفيذ، بمعنى أن الدائن الذي ليس بيده سند تنفيذي لا يحق له استيفاء دينه إلا بموافقة المدين. ويشمل توزيع حصيلة التنفيذ الأشخاص والجهات التي قامت بتقديم أعمال وخدمات أثناء إجراءات التنفيذ، كالخبير المثمن والسمسار والحارس القضائي وغيرهم. وفي هذه الحالة يتم توزيع حصيلة التنفيذ عليهم، إذا كانت حصيلة التنفيذ تكفي للوفاء بديونهم، أما إذا كانت هذه الحصيلة لا تكفي للوفاء بديون الدائنين الحاجزين، فقد عالجت المادة الثامنة والخمسون من نظام التنفيذ هذه الحالة، حيث نصت على أنه: «إذا كانت حصيلة التنفيذ لا تكفي للوفاء بجميع حقوق ذوي الشأن (الدائنين الحاجزين ومن يعد طرفًا في الإجراءات) واتفق هؤلاء على تسوية ودية فيما بينهم لتوزيعها، يثبت قاضي التنفيذ اتفاقهم في محضر ويوقعه مأمور التنفيذ والمنفذ لهم والقاضي، وتكون لهذا المحضر قوة السند التنفيذي في مواجهتهم». أتاحت المادة سالفة الذكر الفرصة للحاجزين للاتفاق فيما بينهم على التسوية الودية، والتوصل لحل يرضي الجميع تفاديًا للخلافات التي قد تحدث فيما بينهم عند توزيع حصيلة التنفيذ. وفي حالة توصلهم لاتفاق محدد يقوم القاضي بإثبات اتفاقهم في محضر ويوقعه مأمور التنفيذ. أما إذا لم يتوصل ذوو الشأن إلى اتفاق وتسوية ودية فيما بينهم بشأن توزيع حصيلة التنفيذ، فيثبت قاضي التنفيذ الاعتراض في محضر يوقعه هو ومأمور التنفيذ والأطراف المعترضة، ويصدر قاضي التنفيذ حكمًا يتضمن كيفية توزيع حصيلة التنفيذ وفقًا للأصول الشرعية والنظامية. ويحتل المرتبة الأولى في استيفاء حقوقهم من حصيلة التنفيذ، أصحاب الحقوق الذين لهم أولوية حسب النظام، كدائن راهن للعين المحجوزة، حيث يكون مقدمًا في توزيع حصيلة التنفيذ العائدة من العين التي رهنها ووثق دينه بعينها. ويعزى السبب في ذلك إلى أن النظام قرر لهذه الحقوق أولوية مراعاةً منه لصفة هذه الحقوق، وهذه الصفة تخول الدائن أحقية استيفاء حقه من أموال المدين بالأولوية على سائر الدائنين، ومن هذه الديون على سبيل المثال، الديون الناشئة من التصفية وفقًا لأحكام نظام الشركات. ثم يأتي الوفاء بعد ذلك لأصحاب الديون العادية، وهؤلاء لم يمنحهم النظام أحقية السبق والتقدم في استيفاء ديونهم من حصيلة التنفيذ.