انتشرت ظاهرة في الكتب مؤخرا يُمكن ملاحظتها بسهولة، تتخذ من الآيات القرآنية عناوين لها، في الوقت الذي لا ترتبط فيه بالقرآن الكريم ولا بعلومه، بل هي تجارب لصغار المؤلفين ممن يكتبون في موضوعات يصعب تصنيفها كعلم أو كجنس أدبي محدد، ويمكن تسمية بعضهم بكُتَّاب مواقع التواصل الاجتماعي، أو كُتّاب الحداثة الحقيقيين! ممن استيقظ يوما وأعجبته أفكاره المكتوبة في حساباته، فأراد طباعتها. ولعلَّ الواحد يقول: "وماذا فيها؟ ما الجريمة إن سمَّى أحدهم مؤلفاته بالآيات القرآنية؟ وبغض النظر عن الجانب التسويقي الذي من أجله عنونت هذه الكتب نفسها بالتعبيرات القرآنية الشهيرة؛ فإن هذه العادة غريبة على الثقافة العربية، فلم يسبق أن امتُهنت الآيات بربطها بشيء بعيد عن موضوعها واحترامها الذاتي، فلن تجد مؤلَّفا عربيا "أصيلا" استعمل الآيات بهذه الطريقة، إضافة إلى أن هذا العصر استُعملت فيه الآيات بشكل سيئ مرارا، في عروض الأزياء وغيرها مما يُصعِّب إيجاد نية حسنة للاستعمال مع الكُتاب.. هؤلاء! فلماذا لا تكون المشكلة عامةً من جهة احترام الآيات بدل التركيز عن السؤال التجريمي: "وما الذنب في استعمال الآيات القرآنية وما المشكلة".. إنه سؤال يجرِّم الفكر ضمنيا بوجود مشكلات لا تُحلُّ إلا بامتهان هذه الثقافة، أو أن تكونَ متخلفا لأنك لا تمتلك الانفتاح على الآخر وتنغلق على فهمٍ ضيقٍ للتراث! في الحين الذي تبحث فيه عن فائدة أو إبداع في أعمال أصحاب هذه الدعوى ولا تجد، لأن الثقافة العربية "أُمّ" لا تعطي بسخاء إلا لأبنائها. هؤلاء الذين يركضون بيومياتهم إلى أقرب مطبعة بعد وضع عنوان قرآني عليها؛ لا يهمهم تصفّح عناوين الكتب الرائدة، فالإبداع ليس عنوانا، بل عمل كامل؛ لذلك يصعب العثور على محاولات جادة لتقييم كتبهم، لأن النخب الحقيقية لا تقرأ لأمثال هؤلاء ولا تهتم بهم، وإن وجدتَ تقييما لهم؛ فلن تراه غير "كارثة"، فتستحي والله من هذا العمل ومن صاحبه وتشفق عليهما. هؤلاء لا يعلمون أن العنوان ليس بشيء، فلا أحد يزيِّن مفاتيح بيته، البيت وأساسه وترتيبه والراحة داخله هو الذي يجعل منه سَكَنا لا يُملّ، لا الكِتاب غير المؤثث بالفوائد والفرائد! وربما كانت السنة القادمة أو التي بعدها بالكثير؛ سنةٌ ستشهد غالبية جمل القرآن الكريم كعناوين لكتب تافهة تسويقية، فلا أعلم ما تصنيفنا المستقبلي في علم المكتبات والمخطوطات! بئس الناس نحن على الثقافة العربية! وربما اشمأزَّتْ نفوس الأجيال القادمة من هذه التعبيرات المقدسة المنزهة؛ لأن السعي في ربطها بالتفاهة قد يخترق العقل الباطن بسبب هذه المحتويات البعيدة عنه وعن الجمال والصدق والأدب والأصالة والأخلاق، ف "ترمي بشرر"، و"أقوم قيلا.." وغيرها الكثير.. هذا السطو على التعبيرات القرآنية يجب أن يتوقف تماما ويُحظر حبا بهذا الإنسان المكرَّم وكتابه المعجزة المنقِذة.