على الرغم من تميّز وتزايد عدد الابتكارات والاختراعات التي تألق بها الكثير من المخترعين والمخترعات من أبناء هذا الوطن، إلاّ أنّه مازال هناك صور أخرى من المعاناة والصعوبة في سبيل منحهم براءة الاختراع - التي لا تقتصر على تقديم الحماية الفكرية والأدبية للاختراع فقط، بل تمنحه الحافز والتقدير -، وأهمها التأخر في منح براءة الاختراع. "الرياض" في هذا التحقيق تستعرض معاناة المخترعين السعوديين المتمثلة في تأخر منحهم براءة الاختراع، وماهي مبررات الجهات المخوّلة بمنح براءات الاختراع في المملكة "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومكتب البراءات الخليجي" حول تلك الشكاوى المتكررة من قبل بعض المخترعين والمخترعات. مخترعون جدد بداية قال "شريف الحيدري" - طالب في تخصص هندسة الاتصالات والإلكترونيات - "تقدمت بطلب منح براءة اختراع لفكرة تتعلق بالشراء عن طريق شبكة الجوال باستخدام الذكاء الصناعي وذلك في عام 2009م، وحتى اليوم لم أمُنح البراءة على ذلك الاختراع، وأيضاً تقدمت قبل عام ونصف للمدينة بطلب جديد لاختراع آخر تدور فكرته حول إدارة الحشود في الحج، ومازلت انتظر الحصول على براءات الاختراع، بالإضافة إلى وجود اختراعات أخرى تحت الدراسة والتطوير"، مبيناً أنّ التأخر في منح براءة الاختراع قد ينعكس سلباً على المخترع؛ حيث يتسرب إليه الإحباط والملل، وبالتالي تقل لدية الدافعية للابتكار والإبداع، وربما يفقد هذا الاختراع أهميته بالنسبة له، مطالباً في الوقت ذاته بإيجاد مكاتب أو لجان فرعية استشارية مجانية لخدمة المخترعين بالمدن الكبرى، وذلك لتسهّل عملية متابعة الطلب وتعديل الملاحظات، وضرورة احتضان "المخترعين الجدد"، وتعزيز مفهوم الابتكار والمنافسة لديهم وتنمية ثقافة الاختراع؛ لأنّ البعض تكون لديه فكرة مبتكرة ولكن لا يعلم ما هي آلية تطبيقها عملياً على أرض الواقع، وذلك لعدم وجود خامات ومعدات تساعد على تطوير وتنفيذ فكرته، كما أنّ أكثر المخترعين إما أن يبدأوا مخترعاتهم بمواد بسيطة أو يتحملوا تكاليف باهظة تفوق قدرتهم المادية، كما أنّ هذا لا يُعدُّ مناخاً طبيعياً لجذب وتنمية مهارات وابتكارات المخترعين. إحباط وضعف همة فيما يرى "محمد المطرفي" -موظف في قطاع خاص- أنّ طول فترة استخراج البراءة قد تتطلب أن يكون المخترع "معقباً" ليتابع استخراج براءة اختراعه، لاسيما إذا كان من خارج منطقة الرياض، موضحاً أنّه تقدم مرتين بطلب براءة اختراع إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلولم والتقنية، ولم يتمكن حتى الآن من الحصول على أيّ منهما؛ حيث كان الطلب الأول في عام 1429ه عن فكرة اختراع نظام حماية المسابح الذكي "نجاة"، وبالرغم من عدم حصوله على براءة اختراع، إلاّ أنّه قد تحمل تنفيذ هذه الفكرة والسفر للمشاركة بها في معرض الاختراعات العالمي بجنيف السابع والثلاثين خارج الجناح السعودي على حسابه الخاص، وتمكن حينها من الحصول على جائزتين عالميتين، مضيفاً أنّه عاود التقدم بطلب منح براءة إختراع لجهاز يعمل للحد من حوادث المركبات والتبليغ آلياً عن طريق الجوال، وذلك لوجود حساسات داخل هيكل السيارة من جميع أطراف المركبة ومتصلة بوحدة تحكم مركزية داخل المركبة يوجد بها شريحة هاتف، مع وجود حساسات إضافية داخل مقاعد السيارة بحيث يرسل ويحدد قوة الإرتطام وعدد الركاب وموقع الحادث، ومن ثم إرسال تنبيه للمرور والإسعاف، كما أنّه تقدم بطلب منح براءة اختراع لمكتب البراءة لخليجي قبل أكثر من عام، وهذا الاختراع عبارة عن جالون متحرك للسوائل على دواليب، وهو يناسب زوار الحرم المكي الذين يجدون صعوبة في حمل جالونات مياه زمزم، مبدياً أسفه لعدم حصوله حتى الآن على أيّة براءة اختراع؛ مما تسبب له بحالة من الإحباط وضعف الهمة في مواصلة تقديم الاختراعات، مبيناً أنّ حصول المخترع على براءة اختراع يمنحه ثقة بنفسه ويرفع من الروح المعنوية له، مطالباً بتوفير حاضنات للمخترعين تهتم فعلياً بمساعدتهم مادياً ومعنوياً. معاناة مستمرة وروى "سالم المسرحي" معاناته للحصول على براءة الإختراع بأنّه تقدم بطلب حسب النظام المعمول به في مدينة الملك عبدالعزيز للتقنية بابتكار السيارة الرقمية - سيارة حقيقية تسير دون سائق - وتخفيف سرعة السيارة بربطها مع الأقمار الصناعية، ونظراً لعدم معرفة المخترعين مسبقاً بطريقة صياغة براءة الاختراع كانت لديه بعض الأخطاء في تقديم الطلب، وتم الاتصال به لتعديلها وتصحيحها، وأسهم ذلك في تأخير طلبه الأساس، حيث لم يتم تحديث الأوراق التي تم تعديلها بل أصبح هناك طلبين بنفس الإختراع من نفس المخترع، وبالرغم من اتصالاته المتكررة لمتابعة الطلب، كما أنّه تفاجأ بعد مرور أكثر من عام باتصال أحد الموظفين ليخبره بأنّ طلبه أسقط؛ بسبب عدم تسديد الرسوم الخاصة بالنشر، مع أنّه لم يمنح براءة الاختراع، ولم يتم إخباره بالرسوم رغم تواصله الدائم. عقدة البراءة! وأضاف "المسرحي" أنّ توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- كان له الأثر الكبير في نفسه؛ حيث تم التوجيه بإعادة النظر في جميع الطلبات المسقطة وإعادتها، وفعلا تم ذلك وبدأ بالمراجعة معهم حتى عام 2010م حين أخبره أحد الموظفين بأن الطلب في مرحلة الفحص الموضوعي، وسيتم الرد عليه خلال شهرين، ولكن وبعد إنتظار طويل لنتيجة الفحص والرد النهائي تفاجأ في مطلع عام 2011م بأنّه تم إسقاط الطلب؛ لعدم الرد على المدينة بخصوص استفسار تم إرساله لبريدي الإلكتروني، مع تأكيد أحد الموظفين بأنّه سيتم الاتصال هاتفياً، ولم يستطع الحصول على براءة اختراع، وذلك - حسب قوله - نتيجة عدم إيضاح الإجراءات السليمة، والشفافية في التعامل مع المخترع السعودي المبتدئ، مشيراً إلى أنّ تأثير التجربة كان سلبياً للغاية على حالته النفسية؛ حيث أصبحت كلمة براءة الاختراع بمثابة "العقدة النفسية" لديه، موضحاً في الوقت ذاته سبب تفضيل ولجوء المخترعين لتقديم طلبات منح البراءة في خارج المملكة والذي يكمن في عامل الوقت، وما له من الأثر الكبير على المخترع؛ إذ من الممكن أن يتم منح براءة اختراع في دولة أخرى لذات الفكرة، وبالتالي يحرم منها صاحب الفكرة الأولى. ثروة مهمة ونوّه "يوسف السحار" - رئيس مجلس إدارة شركة مخترعون بلا حدود العالمية المحدود البريطانية - أنّ ما يتوفر للمخترعين السعوديين اليوم هو أفضل مما كان يقدم في الماضي القريب، فهناك تغيّرات إيجابية تحملهم على المزيد من التفاؤل في ظل الدعم المستمر من القيادة الكريمة، والتي تحرص على إيجاد بيئة محفزة للاختراعات السعودية، وأن المخترعين السعوديين استطاعوا وبكل ثقة الإبداع والتميز في شتى المجالات العلمية؛ فهم يخترعون "المنتجات والتقنيات الجديدة"، لافتاً إلى أنّه ليس من الضروري انتظار الحصول على براءة لكي يستفيد المخترع مادياً من خلال اختراعه، وبمجرد أن يبدأ في تسجيل اختراعه بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية "بالتاريخ والرقم" يحق له أن يحوّل اختراعه إلى مشروع، والبراءة لا تعد شرطاً أو "ترخيص" لكي يتحول الاختراع إلى مشروع، وإنما هي أداة حماية للاختراع من "القرصنة" داخل البلد الذي سجلت فيه، وأيضاً داخل أيّ بلد آخر سجل الاختراع فيه، مشيراً إلى وجود جهات عدة من شأنها دعم وتمويل المخترعين، والذي يعد أهمها برنامج خادم الحرمين الشريفين لدعم المخترعين السعوديين "بادر"، وهو برنامج صُمم من أجل مساعدة المخترعين وتقييم المشروع فنياً وتقنياً وإقتصادياً أيضاً، ثم مساعدته في حالة نجاح تقييم الاختراع ودراسة جدواه الاقتصادية على حصوله على قرض بضمان من "بادر". مخترعون يشعرون بالإحباط وفقدان الثقة..و«مدينة التقنية» ترد:«يجهلون إجراءات التقديم» فهم الآليات من جانب أخر أوضح "م.سامي السديس" - المشرف على الإدارة العامة للملكية الصناعية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - أنّ أبرز الصعوبات التي تواجه الإدارة تتمثل في عدم فهم بعض المتقدمين لآلية إجراءات منح براءة الإختراع، وأنّه يتطلب وقتاً كما هو الحال في جميع مكاتب براءات الاختراع التي تستند إلى الفحص الموضوعي للطلبات، موضحاً أهم الخطوات التي يمر بها الطلب، حيث أنّه بعد إيداع الطلب يتم التأكد من اكتمال الأوراق اللازمة للتقديم، ثم يحال إلى إدارة الفحص الشكلي ليفحص حسب ما نص عليه نظام "براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارسات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية" ويتم خلال ذلك تصنيفه وفقاً للتصنيف الدولي، وفي حالة قبوله شكلياً يحال إلى إدارة الفحص الموضوعي لفحصه، مضيفا أنّ كل طلب تسجيل ينبغي أن تتوافر فيه ثلاثة شروط وهي؛ "الجدة، والابتكار، وقابليته للتطبيق"، وإذا كان الطلب يستحق يتم إخطار مقدمه بأنّه سيتم منحه براءة اختراع، و تصدر المدينة البراءة وتسلم لصاحبها، ويتم الإعلان عنها في النشرة الخاصة بذلك على موقع المدينة على الإنترنت، ويخوّل الحصول على البراءة لمالكها الحق في رفع دعوى على كل من يتعدى على إختراعه باستغلاله دون موافقته -داخل المملكة-. الفترة الزمنية ولفت "م.السديس" أنّ الفترة الزمنية المتوقعة للحصول على براءة اختراع من لحظة إيداع الطلب تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات، وأنّ المدة تعتمد على مجال الاختراع ومدى صعوبته، بالإضافة إلى عدم سرعة رد بعض المخترعين لبعض المتطلبات الضرورية، مشيراً إلى أنّ المدينة تسعى بكل جهد لتقليل الفترة الزمنية إلى سنتين فقط، مضيفاً أنّ الإدارة العامة للملكية الصناعية تقدم مجموعة من الخدمات للمخترعين من ضمنها خدمة البحث المبدئي والتي تمكن المخترع من معرفة التقنية السابقة المتعلقة باختراعه، وأنّ جميع التكاليف المالية للطلب -باستثناء تكاليف الإيداع- يتكفل بها مشروع خادم الحرمين الشريفين لدعم المخترعين السعوديين. فحص موضوعي وفي السياق ذاته كشف "شايع الشايع" -مدير مكتب براءة الاختراع في مجلس التعاون لدول الخليج العربية- أنّ مكتب براءة الاختراع الخليجي يهدف منذ أن بدأ في العمل قبل سنوات إلى تسهيل آلية منح براءات الاختراع، وتقليص المدة التي يتم فيها منح البراءات، لافتاً إلى أنّ المعتاد والطبيعي أن يتراوح معدل انتظار الطلب إلى أربع سنوات كحد أقصى، مبيناً أنّ هناك بعض الدول تمنح براءات اختراع خلال أشهر كونها لا تعتمد على الفحص الموضوعي العلمي بل تكتفي بالفحص الشكلي فقط، وأنّ هذا في حقيقة الأمر لا يعول عليه كثيراً؛ كونها لم تتأكد بشكل كافٍ من استحقاق الطلب، مشيراً إلى أنّ عملية الفحص الدقيق تستغرق وقت كبيراً، كما تلتزم مكاتب البراءات بأن تعطي فترة كافية للرد على نتائج الفحص، حيث تصل هذه الفترة إلى ثلاثة أشهر يتم خلالها مناقشة بعض التعديلات -إن وجدت-، وكلما كان صاحب الطلب متجاوباً بشكل سريع تقلصت المدة الزمنية ليحصل على النتيجة، سواء كانت الموافقة بالمنح أو الرفض، وأنّ الانتظار غالباً في صالح المتقدم، حيث يمكنه العمل على مشروعه فور التسجيل، نافياً أن يكون هناك تقديمٌ لطلبات على حساب آخرى. شريف الحيدري سالم المسرحي عابد خزندار يوسف السحار