يُنذر تدخل "الحشد الشعبي"، الذي يضم مليشيات موالية لإيران، باندلاع "حرب طائفية" في مدينة الموصل ومحافظة نينوى، شمالي العراق، حيث يرفض أهالي المدينة - والمحافظة - دخوله؛ لما تختزنه ذاكرتهم الجمعية من جرائم ارتكبها في غير محافظة سنّية فيما يصر "الحشد الشعبي" على دخول الموصل. ويرى "المكوّن السني"، الذي استطلعت "اليوم" قياداته في الأردنوالعراق، أن "الحشد الشعبي يستهدف الاستيلاء على الموصل"، عروس العراق، والمدينة ذات البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاصة والتي تعد مسقط رأس "غالبية قيادات الجيش العراقي" في عهد الرئيس صدام حسين، ما يحيل "المكوّن الديموغرافي" للمكان إلى عنصر استهداف إيراني غايته "القصاص من التاريخ"، وفق اللواء الركن في الجيش العراقي زنون يونس. اللواء زنون يونس، وهو ابن الموصل الذي خاض معارك ضارية في الحرب العراقية - الإيرانية، يرى أن "إصرار الحشد الشعبي على دخول الموصل، في الوقت الذي يرفضه أهالي المدينة وقواها، يدلل على غايات مشبوهة لتدخله، وهو ما سيقود إلى مواجهة شرسة ضده"، ويقول اللواء زنون: إن "تدخل الحشد الشعبي سيغير وجهة بنادق أهل الموصل، من مواجهة تنظيم داعش، إلى مواجهة مفتوحة مع أدوات طهران وأذرع الحرس الثوري الإيراني، وبما يحول دون تقدمهم داخل المدينة". ويؤكد اللواء زنون أن "عشائر وقوَى مدينة الموصل، ومحافظة نينوى برمتها، ترفض تدخل الحشد وكذلك ترفض تدخل القوات الحكومية الموالية لإيران، فقد خَبِرَ السّنة العراقيون جرائم هؤلاء في مختلف المحافظات السنية العراقية"، ويستبعد زنون أن تستطيع مليشيات "الحشد" اختراق حصون الموصل، مستدركاً: "قد يتمكنون من ذلك بمساعدة طيران التحالف الدولي، الذي قد يقصف مقاتلي المدينة معتقداً أنهم موالون لتنظيم داعش، وهو الاتهام الزائف الذي تروّجه طهران والملتحقون بها". حديث اللواء زنون لا ينفصل عن موقف "اتحاد القوى العراقية"، الذي رفض تدخل "الحشد الشعبي"، واعتبر تدخله بمثابة "تعزيز لقوة تنظيم داعش، وتكريس للمواجهة الطائفية". "الموصل، مدينة بأغلبية سنية مطلقة، تعتبر ملجأ العراقيين، بمختلف تكويناتهم، الذين استهدف "تنظيم داعش" ديارهم ومدنهم، ويتمسك أهلها بأحقية دفاعهم عن مدينتهم، التي تمتاز بخصوصية تجعلها حجر الزاوية في وحدة العراق"، وفق وصف القيادي والسياسي العراقي د. كامل الدليمي. ويشير د. الدليمي، في حديث ل "اليوم"، إلى تجارب محافظات سنية عراقية عديدة، كمحافظتي صلاح الدين وديالى، مع قوات الحشد الشعبي، وما ارتكبته من جرائم، ما يثير مخاوف أهالي الموصل ونينوى من تكرار التجربة"، ويرى الدليمي، وهو عضو في مجلس النواب وطيار مقاتل في الجيش العراقي، أن "أداء الحشد الشيعي، في محافظات عديدة، دفع بالعراق إلى حافة خطرة، تهدد وحدة الوطن العراقي وتماسكه، ما يدفع المكوّن الوطني والعروبي والسني إلى رفض تدخلهم قطعياً". "الحشد الشعبي سيُقوّي تنظيم داعش"، يقول الدليمي، ويزيد: "التدخل سيكرس رواية داعش بأنها حرب عقائد وطوائف، وهي في حقيقتها حرب وطن في مواجهة التطرف والإرهاب أنى كان كنهه". المحلل والخبير العراقي د. جاسم الشمري، المُقرّب من هيئة علماء المسلمين، يرى أن "الحشد الشعبي هو من القضايا الشائكة في العراق، ويعتبر أحد أهم أسباب الفتنة الحديثة في بلاد الرافدين، وأسهم في خلق تناحر اجتماعي، فيما سيرته زاخرة بالجرائم المتعمدة، التي يرتكبها ضد المكوّن السني العراقي". ويشير د. الشمري، في حديث ل "اليوم"، إلى أن "الحشد الشعبي عبارة عن مليشيات غير منضبطة، لا بدين ولا قانون ولا وطن، وتتلقى تعليماتها من طهران، وتحمل أجندة خارجية بامتياز، من شأنها إضافة شرخ اجتماعي - سياسي وفتنة جديدة، حال تدخلها في الموصل، لا حدود لها"، وفي تشخيصه، يرى الشمري أن "الحكومة العراقية، هي حكومة طائفية بامتياز، ومدعومة من إيران، ولها أدواتها الشعبية الطائفية والمذهبية، دون أن ينسحب هذا على كل الشيعة، فغالبية الشيعة عراقيون وطنيون بفكر عروبي، لكن ثمة تغوّل فارسي في العراق، مرده غياب الظهير والداعم العربي - الإسلامي". ومن جهته، يقول السياسي العراقي المخضرم طه اللهيبي، عضو مجلس النواب الأسبق: إن "العراقيين بمختلف تكويناتهم الوطنية يرون أن الحشد الشعبي أكثر إجراماً من تنظيم داعش، إذ تصلح المقارنة بين أفعالهما الاثنين، وهي أفعال يندى لها جبين الإنسانية". ويشير اللهيبي، في تصريح ل "اليوم"، إلى أن "عدد العراقيين الذين قتلتهم مليشيات الحشد الشعبي يفوق كثيراً عدد من قضوا نحبهم على يد تنظيم داعش، وكذلك نوعية الجرائم وبشاعتها"، وهي "مقارنة بين السيئ بالأسوأ، وكلاهما مجرم ومدان في كافة الشرائع".