الاستهتار بالنعم والعطايا وإطلاق العنان للنفس بلا حدود ظناً من فاعليه أن أحوالهم ستؤول بالاستمرارية وعدم النفاد هي أكبر خدعة تصورها لهم عقولهم، فجحود النعمة يؤدي إلى الزوال وشكرها والمحافظة عليها هو ما يجعلها تدوم، فقد انتشر في الآونة الأخيرة وباء البذخ غير المحمود والذي لا يمت للكرم بأي صلة، بل وأصبح الناس يتنافسون عليه ويبتكرون كل يوم فكرة جديدة لتطوير هذه الظاهرة التي لا يحمد عقباها مستقبلاً، فديننا الإسلامي الحنيف حذر من الإسراف جملة وتفصيلاً ووضع عواقب وخيمة لفاعليه، فقد قال الله تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» سورة الأعراف آية (31). وهناك آثار سلبية كثيرة لهذه الظاهرة، منها أنها قد تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للمسرف فمن الناحية الجسدية أنها قد تسبب له أمراضاً مزمنة كداء السكري والضغط والكولسترول وغيرها مما يتطلب علاجاً تقدمه الدولة وتصرف عليه مبالغ باهظة الثمن سنوياً، ومن الأمراض النفسية أن المسرف لا يشعر بالراحة إلا بفعل ذلك وكأنها أصبحت عادة مزمنة لا يستطيع التخلص منها بسهولة وذلك يتطلب علاجاً نفسياً للحالات الصعب تداركها، والإسراف لا يقتصر على الطعام فقط بل يشمل جميع جوانب الحياة المختلفة والتي تنفق عليها مبالغ طائلة لغير حاجة، وأيضاً إذا كان الإنسان يمتلك الكثير من المال وهو ينفق منه ولا يشعر بصعوبة في ذلك فسيكون دوره ضعيفا في المجتمع، ولن يسعى لتطوير نفسه بأن يكون عضواً منجزا ومؤثرا لعدم حاجته لذلك حسب اعتقاده، ومن أهم أسباب انتشاره التقليد الأعمى للناس وحب الشهرة والتفاخر، ولذلك يجب وضع حلول لتلك المشكلة، ولعل أهم ما يجب ذكره هو تعزيز دور الأسرة بالتوعية لهذا المرض، ولا ننسى أيضاً دور المدرسة والمساجد والمجتمع بكامله كحلقة يدور حولها الإنسان لتحميه من الوقوع في فخ الإسراف من غير أن يشعر، فتداول المقاطع التي تشجع على ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمر جلل! فإذا كان بعض السائقين يحصلون على مخالفات لانتهاكهم القوانين التي قد تزهق الكثير من أرواح البشر فأيضاً هؤلاء يبثون المقاطع التي تدعو للبذخ وإهدار النعمة والتبطر على نعم الله فهم يبثون السموم للعقول ويزرعون هذه الأفكار في المجتمع الذي قد تكون فئة كبيرة تجهل عواقبه وتظنه أمراً مستحسناً من باب الكرم والعطاء، وهو عكس ذلك تماماً ولهذا أنا أعتقد أنه يجب وضع حدود وروادع لهؤلاء لتمنعهم من تضييع النعم والعطايا، فبينما هم يلعبون ويضحكون بهذه الخيرات هنالك الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم يتمنون ولو جزءاً بسيطاً منها فيجب وضع غرامات لهؤلاء الفئات، حتى يرتدع الغير، والسؤال المطروح هنا متى سنشعر بقيمة النعم التي بين أيدينا؟ الا يجب علينا أن نزيل هذه الغشاوة عن أعيننا قبل فوات الآوان! فلنفكر قبل ألا يسعفنا الوقت ولا يعود هنالك مجال أن نفكر من جديد.