الجنادرية ليست مهرجانا ترفيهيا أو ثقافيا بقدر ما هي نافذة حضارية تقدمنا بكل مكوناتنا الإنسانية للعالم، وتجعلنا أكثر انفتاحا على ثقافات وفكر الآخر، وذلك تطور طبيعي يمكن التماسه من خلال الفعاليات التي استضافت نخبا عالمية كان من المهم أن تتواصل مع الداخل الوطني بصورة مباشرة وتقف على حجم التطور الثقافي والحضاري الذي وصلت اليه بلادنا وإنسانها. اهتمام الدولة بهذا المهرجان يؤكد قيمته الاستراتيجية في تحقيق مبدأ الاتصال الحضاري مع العالم، ومساعدته في استكشاف جوهر السعودية من الداخل، لأن الاتصال عملية تفاعلية وتتطلب معايشة ورأي العين وليس سماعا أو نقلا، فمن رأى ليس كمن سمع، ذلك يضاعف القيمة الثقافية والإعلامية للجنادرية التي نسكب عبرها عصارة تطورنا الحضاري والثقافي، فالفعاليات كانت من التنوع والتعدد ما يفتح مساحات واسعة للمشاركات المتبادلة التي تثري الفكر الإنساني وتسهم بصورة قوية في تقديم رؤى جديدة ومتجددة عبر النقاشات العميقة التي تدور على مدى أيام الفعاليات. السعودية جمعت أقطاب الفكر العربي والعالمي في مشهد ثقافي كبير، يؤكد أن هناك الكثير من الإيجابيات بعكس الصورة النمطية المشوهة في عقل الآخر، لم تعد الأمور والرؤية كما في السابق، فالاتصال والحراك الثقافي كفيلان بتغيير الصور الذهنية، ما يجعل الجنادرية مؤسسة تفاعلية لعلاقات عامة ودبلوماسية ثقافية مؤثرة وحيوية، وليست مجرد مناسبة سنوية عابرة، فقد أصبحت حزمة من العناوين الكبيرة للمملكة وقيادتها وشعبها، وذلك مكسب ضخم يمنحنا مناعة قوية ضد محاولات تشويه صورة بلادنا وبقائها أسيرة لصورة قاتمة تتعلق بالتطرف والإرهاب والفوبيا التي تتسبب فيها قلّة تجعلنا ندفع ثمنا كبيرا لتغيير الالتباسات التي تحدث بسبب ما يفعلونه. الجنادرية تجاوزت بالفعل فكرة الفعاليات الثقافية التي تعرض عبر الأجنحة مشاهد التطور والتقدم المدني، بأن أصبحت مؤسسة تخترق العقول لتسوية أي تخريب فيها بشأن بلادنا ووضعها في الموضع اللائق بها حضاريا وثقافيا وإنسانيا وتاريخيا، وكل النخب التي شاركت في المهرجان حصلت على صورة حاسمة حول دور وقيمة بلادنا في تلك المجالات، ولا يتوقع أن تستوعب بعدها أي أفكار لا تتفق مع الواقع الذي تشكّل لديها من خلال مشاهداتها ومرئياتها، أي أننا نجحنا من خلال الجنادرية في بلورة منظومة اتصالية فاعلة ونافدة الى الآخر تكفي عن كثير من الأداء الإعلامي والاتصالي غير المواكب لتطورنا وحقيقتنا التي نحتاج أن يعرفها الآخرون دون رتوش وبصورة مباشرة وموضوعية للغاية، لم نفتعل فيها شيئا أو نعمل على توجيه الآخرين وإنما يستوعبون الواقع بكامل حريتهم.