في مساء الخريف المضمخ بالفل والتين والأغنيات تكنسُ الذكرياتُ ورود الكلام المجفف في باحة الدار.. حيث جلسْتَ طويلا تهدهدُ ريش الغرام الخفيف
السنين التي ازدحمتْ بنساء كثيرات يشعلن ليلك في هدأةٍ.. غادرتْكَ ولم تلتفتْ كي تلوّح ثانيةً للصدى في بعيدك، ها أنتَ وحدكَ دون اختيارٍ تلوذ بجفنك للنوم محتشدا بالفراغْ! لا أناملَ بيضاء تندسّ في دفء شَعرك من فيض رغبتها المرمري، لا عناقيدَ من شفةٍ يعصر التوقُ كرمتها في الكؤوس، لا حرائرَ من جسدٍ تتجعّد ملتاعةً في سريرك هذا المساء، تعود إلى شأن حزنك كالخاسرين من العمر والحب والأصدقاء
الفتاة التي التقيتَ بها في ربيع هواك تلك التي نهضت من براعم فتنتها وردةً في يديك أحبّتكَ أكثر من روحها أرادتكَ دون التفاتٍ لسمرة جلدك، وخيبة عينيك حين تحدّق في صمتها من بعيد، فضّلتكَ على فتيةٍ خطبوا ودها في ليالٍ عديدة.. ولم تنتبهْ! الفتاةُ التي لا تشارك إخوتها نومهم باتت تفكر فيك طويلا وفي فرسٍ أبيض سيحط على غصن شرفتها في مساء قريب فلا أنت جئت.. ولا لاح طيفٌ كفيفٌ لهذا الفرس! الفتاةُ التي راقصت خشبا مائلا في غيابك ظلت تغني لليلك شالا بهيجا من النهاوند ولم تكترث لكؤوس نبيذ تحدّق في شفةٍ تتناسل منها فصول العطش الفتاةُ التي يعجز الليل عن فهم رغبتها في احتضان حرير الوسادة سالت ينابيع لوعتها في شعاب تخوم تطل عليك ... ولم تنتبهْ! كلما صوّبتْ سهم لهفتها باتجاه غمامة حلم تتوق له لم تصب غير غربة أحداقها في انكسار المرايا!
ربما لم يكن للمودة طقسٌ فريدٌ في ذلك الوقت كان لقاء العاشقين أشبه بالريح حين تمسّدها رغبة لاعتناق الصدى من أحبّكَ في ذلك الحين يكفي لإغراق عينيك في غيمة الولَه العاطفي ... ولم تنتبهْ!
لم تكن فاتنا كي تحاول إيقاعها في حبائل حسنك من نظرة واحدة لم تكن بارعا في ارتجال حديث الغرام السريع لتأسر ظبيتها الشاردة لم تكن ذا خيال بديع لتثري كفوف المكان برفقتها، لكنها، هكذا، قد أحبّتكَ دوما بلا سببٍ واضحٍ لسؤال القريبين من سرّها، أوقعتْ نفسها في شباكك عمدا... ولم تنتبهْ!