لا مثل يعطى لوحدة أي أمة أوضح من فريق كرة القدم، أحد عشر لاعبا من مراجع مختلفة ذهنيا وإثنيا وروحيا ويجتمعون بتناغم ووحدة قوية ومتساندة ومنضبطة لتحقيق النصر ليس لكل فرد بل لكل الفريق.. ثم يعود هذا النصرُ لكل فرد في الفريق. الدول قابلة للالتهام حرفيا كما تلتهم الأطباق على المائدة المفتوحة للأكل. أقول لكم قصة بدء تشكل الاستعمار الأوربي لأفريقيا وخصوصا أنه بدأ لمن لا يعلم بشكله الصريح من بلجيكا. كان ليوبولد الثاني يحكم بلجيكا في أوخر القرن التاسع عشر، واشتهر بحب لحوم طيور تصطاد من أفريقيا من الكونغو. وحبه للطعام يتعدى ما يأكله الإنسان العادي؛ كان بطينا نهما لا تشبعه إلا أطباق متتالية. وشهوته لهذا الطعام تقوده للأكل بمطعم فرنسي اشتهر بمذاق إعداده لتلك الطيور. وقال كلمته المشهورة: «لم يعد يكفيني هذا الطبق الأفريقي أريد أن التهم أفريقيا التي تعيش بها هذه الطيور». القصة عجيبة، على أن حقائق التاريخ ثابتة يوم اجتمعت قوى الاستعمار في مؤتمر برلين في العام 1885م والمؤتمر كله هكذا: «تعالوا نتحاصص التهام أفريقيا». ووافق المجتمعون على تخصيص مساحة في أفريقيا هي الكونغو باسم ليوبولد الثاني كملكية شخصية وليس للأمبراطورية كما في بريطانيا وفرنسا، وصارت لأزمان تسمى «الكونغو البلجيكية». من هذا المؤتمر الالتهامي وضعت خطة الاستعمار بحدود جغرافية تعارفوا عليها بعد أن كان مشتتا قبل المؤتمر بثلاثمائة عام منذ بدء البرتغال والأسبان بالغزوات الاستكشافية الاستعمارية. الدرس هنا أن الدول الضعيفة المفككة تدخل لها القوى ذات الشهية للالتهام من خاصرة ضعفها. لم يسقط الاتحاد السوفيتي إلا من نقاط جمهورياته الالحاقية. وبعد الحرب الثانية بدأت تتشكل خارطة العالم.. وهذا التغير بزوغ دول جدية من داخل بلاد أكبر كما حدث بكوريا وفي فيتنام والانقسامات الحديثة في تشيكوسلوفاكيا والبلقان عموما، وبأركان آسيا وافريقيا.. والملاحظ عند مراقبي الأنثربولوجيا في سلوك الدول التي كانت أمة واحدة هو ظهور العداء الشديد بينها أكثر من اي عداء آخر، واسأل كوريا الجنوبية عن الشمالية.. على أن كوريا ليست مثلا ينطبق على دول أخرى لأنها أصرت على التقدم من الجهتين الأولى صناعيا تقنيا والأخرى عسكريا. وما زال ليوبولد الثاني ممثلا بأطماع حولنا، والملتهمون لا يعرفون صديقًا.. وسيدخلون تلقائيا أو قسريا من أضعف خواصر الأمة، من أي شرخ في جدار وحدتها. إن لم يتناسق الفريق الوطني رغم الاختلافات وتعدد الألوان من أجل نصر الأمة ثم ينعكس على كل فرد بها.. فإنه إعلان لشيء لا نريده ولا نتمناه. أخطر شيء هو انشطار الأمم فإنه لا يكتفي بنزع جزء من الأمة، بل يخلق طاقة كراهية متبادلة أقوى من كراهية الأعداء.. وهذا قانون وضعه الله في فيزياء الطبيعة.. انشطار الذرة ماذا يبعث؟!