فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 20 تصل إلى لبنان    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    المريد ماذا يريد؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    بقعة صحافة من تلك الأيام    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لَيلِي بوجهِكَ مُشرقٌ
نشر في اليوم يوم 18 - 01 - 2016

ذكرتُ في المقال السابق أن علماء أصول الفقه لخَّصوا معنى سعادة الإنسان في الدنيا بأنها وصول النفس إلى لذَّتها بالسلامة مما يُنافرها طبعا، وبتحصيل ما يلائمُها طبعا، فسعادة الدنيا خلوصٌ مِن ألم، ولا يصفو نعيمُها من السآمة والمَلل، أما الجنَّة فسعادتها لا يشوبها ألمٌ يُنافر الطبع، فلا يُصيب المرءَ فيها شيءٌ من الملَل، فلأهل النعيم سعادةٌ حقيقيَّةٌ أبديَّة، وقد جاء ذِكْرُها في القرآن الكريم في موضعٍ واحد، وهو قوله تعالى: «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» فهي عطاءٌ غير منقطع، فالسعادة المحضة لا تكون إلا في الآخرة، وعجيب الأمر أنَّ مَن يتأمَّل في أحكام الشريعة فإنه يجدها حادٍ يسوقُهُ سَوقاً إلى سعادة الدنيا قبل سعادتك في الآخرة، فدينُ الله يرتقي بنظرك ليكون نظرَ العاقل، العارف بحقائق الأمور، المتبصِّر بطبيعة الدُّنيا، المطَّلع على مآلاتها، فلا يَغرُّه منها حُسنُ مظهر، فإنْ أقْبَلَتْ سَرَّه إقبالها عليه، وإن أدبرت لم يَأْلم من إدبارها عنه، لأن هذا شأنُها، فهو في كلا الحالين متعرِّف عليها، مُوَطِّنٌ نفسَهُ على ما عَلِم من أخلاقها، فتصغُر في عينه الأمورُ الجِسام، وتذِلُّ له المصائبُ العظام، كما قال كُثَيِّر:
فقلت لها ياعَزُّ: كلُّ مصيبةٍ
إذا وُطِّنتْ يوماً لها النفسُ ذلَّتِ
ورحم الله الشيخَ شهاب الدِّين المُرسيَّ -نسبة إلى مدينة مُرسِيَة بالأندلس- حين جاءه تلميذُه الشيخُ أحمد بن عطاء الله السَّكَندري، يشكو إليه سوءَ معاملة الزمان، وما حلَّ به مِن هجوم الهموم والأحزان، فنَبَّهَهُ شيخُه إلى أنَّ أحوال العبدِ أربعةٌ لا خامسَ لها، حالان عليه وحالان منه، فالواقعُ على ابن آدم إما نعمةٌ وإما مصيبة، والواقع منه إمّا طاعةٌ وإما معصية، ثم قال له: (إن كنت في نعمةٍ تتقلَّب، فاشكر الله عليها، وإن كنت في مصيبةٍ، فاصبر لحكم ربِّك، وكِلْ أمرَك إليه، وإن كنت متقلِّبا في طاعة، فاشهد مِنَّةَ اللهِ أنْ أعانك عليها، وإن كنت متلبِّسا بمعصية، فتُبْ إلى الله واستغفره) قال الشاكي: فقُمْتُ مِن عندِه، وكأنَّما كانت الهمومُ والأحزانُ ثوباً نَزَعْتُهُ، ثم سأل الأستاذُ تلميذَه: كيف حالُك الآن؟ فقال التلميذ: (أُفَتِّش عن الهمِّ فلا أجدُه) ولعل هذا الشيخَ استلَّ هذا المعنى من قول مَن أُوتي جوامع الكلم صلوات ربي وسلامه عليه: «عجباً لأمر المؤمن، إنَّ أمرَهُ كلَّه له خير، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر، فكان خيرا له».
وأذكر أنِّي في بعض زياراتي لتونس، ركبتُ يوماً سيارة أجرة، وقد علا فيها صوتُ غناءٍ صاخب، فرَغِبْتُ متلطِّفا إلى السائق أن يقطع صوت الغناء أو يخفضه، فتأوَّه شاكياً إليَّ جراحا في سويداء قلبه، وأخذ يَبُثُّنِي آهاتِه الحرَّى، ولوعة قلبه الحزين من صروف الزمان وعواديه، وكأنه لم يجد سبباً يداوي به جراح نفسه المعذَّبة، غيرَ الآهةَ والنغمة والصوت الشجيّ، يبثُّهُما نجوى قلبه الملْتاع، لعلَّه يجد في الجرْس والإيقاع ما يستثير به خلجات نفسه المضطربة، فتركْتُهُ مسترسلا في شرح ما يُعاني، وأفاضَ ثمَّ أفاض، ونفَّس عن نفسِهِ ما شاء اللهُ لهُ أن يُنفِّس، فلمَّا لمْ يَبْقَ لديه ما يقول، وفرغَ لي بعينيه وأُذُنيه، وأقبلَ عليَّ بكلِّيَّته، وأنصتَ ليسمعَ منِّي ما أقول، سألته إنْ كان يجد من سماع هذه الأصوات الصاخبات والآلات المطرِبات، طمأنينةً وسكينةً تغمرُ قلبَه، أم أنها تُهيِّج فيه طرباً آنِيَّاً ما يلبثُ إلا ويَعْقُبُه انقباضٌ وضيق في صدره؟ ساعتها نظرَ إليَّ نظرةَ مَن استيقظ مِن رَقْدته وأفاق من سُبَاته، وقال: نعم ما إنْ أنتهي من هذا الصخب والضجيج حتى أشعر بضيق يُطبق على صدري، لا أدري له سببا، ولا أجد عنه مَخرجا! وههنا وصلنا إلى منعطف طريق فإذا بنا نرى أمامَنا شيخا كبيراً خارجاً من أحد بيوت الله، فقلت لصاحبي: الذي تَطلبُ أَمامَك، ههنا تَلقى سعادتَك التي تَنْشُدْ وتَجدُ ضالَّتك التي بها تَسترشد، فأخذ صاحبي يحدِّق النظر في الشيخ، يتأمَّل في هدوئِهِ ووقارِه، فيرى فيه السكينة والطمأنينة، وكأني به يقول في نفسه مخاطباً الشيخ:
ليلِي بوجهِكَ مُشرقٌ
وظَلامُه في الناس ساري
الناسُ في سَدَفِ الظلام
وأنت في ضوء النهارِ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.