«وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» ذكر الدكتور عبدالمجيد الزنداني أن هذه الآية تعد من أعظم أركان الإعجاز التشريعي في الجنايات، والقرآن الكريم قد عبر عن هذا الإعجاز بأبلغ تعبير حيث جعل القصاص حياة للناس وسلامة للمجتمع، والسؤال الذي يطرح وطرحه الباحث كيف يكون في القصاص حياة وهو موت، والحقيقة أن التجارب قد أثبتت وعلم النفس أكد هذه الحقيقة التشريعية المبنية على علم النفس، وهي أن الإنسان يحافظ على نفسه وهي أغلى ما يملك وفي سبيل الدفاع عنها قد يقتل ويضحي بأي شيء، فإذا ما انتهك إنسان حرمة حياة أي شخص آخر بدون وجه حق، جعلت الشريعة دواء لهذا التصرف والانتهاك وهو القصاص الذي فيه حياة المجتمع فعندما يقتص منه بالقتل أو بغيره، ليس القصاص هنا في الآية مقصور على القتل، بل لسائر الجنايات الأخرى شرع الإسلام في العمد فيها القصاص، فيعتبر القصاص حياة للمجتمع من حيث إن القاتل الذي يريد القتل إذا علم أنه سيقتل سينزجر عن القتل وكذلك بقية الجنايات الأخرى كالجروح والجنايات. وقد جاءت الشريعة ببيان لكل ذلك، فهذا الانزجار والتوقف عن ممارسة الجريمة بدافع الخوف من القصاص وحب النفس والحفاظ عليها يجعل الناس يتوقفون عن هذه الجرائم ويرتدعون وينزجرون عن الإقدام فيها، لأنه سيقتص منهم بالمثل، وبالتالي سيكون مردود هذه القاعدة (ولكم في القصاص حياة) وهذا القانون على المجتمع بالحياة فيحافظ كل إنسان على حياته هو بعدم تهوره وإقدامه على الاعتداء على حياة غيره. أما الحلول الموجودة في القوانين الوضعية وهي أن يحبس القاتل عمداً: (بغض النظر عن المدة) أو يغرم غرامة مالية أو يدفع تعويضا لأولياء الدم أو للدولة، فهي ليس حلا عادلاً لا للجاني ولا للمجني عليه ولورثته، وذلك أن المجني عليه الذي أهدرت حياته ظلما وعدواناً لا يرد حقه إلا إذا أهدرت حياة من قتله على الأقل والبادئ أظلم، وكذلك أولياء الدم لا يشفي قلوبهم وقد فقدوا قريبهم إلا بأن يلقى قاتله نفس المصير إذا اختاروا القصاص، فلا يغني الحبس ولا التعويض المالي إلا برضا من الورثة، وأما القاتل عمداً فيعتبر القصاص في حقه رحمة به من حيث ان القاتل يتعذب نفسيا ويبقى في جحيم نفسي وكوابيس لشعوره بالذنب، وأما الحبس مدى الحياة فيعتبر تعذيبا للقاتل مدى الحياة وهو في حكم الميت فالأفضل له الموت. وأما إذا كان القاتل يحبس مدة قصيرة أو سنين معدودة ثم يخرج من سجنه فإن كثيراً من الناس سيقتلون من يرغبون في قتلهم ويضحون ببعض السنوات في السجن ثم يخرجون منه لاسيما إذا كان القتل انتقاماً أو من أجل الحصول على مال كثير، فإن الإنسان سيفكر في التضحية بالحبس سنوات ثم يخرج غنيا مثلا خير من أن يبقى فقيرا طوال حياته في نظره، ثم ما تعانيه الدولة من تكاثر أعداد المجرمين المسجونين لديها من هذه الجريمة، وما يفتح إثر ذلك على المجتمع ممن سبق له القتل عمداً من استهانة بحياة الآخرين يعرض حياة الناس للخطر وتصبح جريمة القتل جريمة معتادة تتفشى في المجتمع، لأتفه الأسباب، وهذا ما تعانيه الدول الغربية فجرائم القتل في أمريكا وأوروبا تفوق التصور والمجرمون بهذه الجناية يملؤون السجون والكثير منهم خارجه، ثم إن هذه الجريمة تتكرر ممن سبقت له هذه الجريمة، وبالتالي فالمجرم بجريمة القتل العمد يصبح عضوا فاسدا في المجتمع إن لم يستأصل فسيستمر بالإفساد في المجتمع وهذا يعرض المجتمع أيضا للخطر، وهكذا... وبالتالي فإن أي حل أو تشريع لجريمة القتل العمد أو الاعتداء العمد بما دون القصاص من جرائم الجنايات الأخرى لا يكون بالقصاص سيفتح للناس وعلى المجتمع باب الجريمة على مصراعيه، لضعف العقوبة الرادعة أو تفاديها. ومن هنا عبر القرآن عن هذا التشريع (القصاص) بأنه حياة، أي تكمن في تطبيقه الحياة، حياة المجتمع والناس؛ لأنه هو التشريع الوقائي الوحيد لردع الناس عن الإقدام على الاعتداء على حياة الآخرين وممارسة الجريمة. فهذا هو الإعجاز التشريعي في الآية.