محمد ظريف، الموظف من الدرجة الثالثة لدى الحرس الثوري الإيراني تحت مسمى وزير خارجية، كتب مقالاً في «نيويورك تايمز» الأمريكية، قبل أيام، ولم يسطر «الموت لأمريكا»، ولا «الموت لإسرائيل»، وإنما كتب مقالاً مختلفاً ومضللاً، يتودد فيه إلى الأمريكيين ويمتدح الاتفاق مع واشنطن، ويناغم «المحافظين الجدد» الامريكيين أشد مؤيدي إسرائيل الذين يعادون المملكة ويفضلون دائماً التجني عليها بأنها داعمة للإرهاب. كنت أظن أن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد، قد بالغ حينما قال في تغريدة في تويتر حول مقال ظريف «بعد قراءة مقال وزير خارجية إيران في صحيفة النيويورك تايمز اعتقدت أن الكاتب وزير خارجية دولة إسكندنافية». بعد قراءة المقال وجدت أن سخرية الشيخ عبدالله في محلها تماماً، لأن ظريف يتحدث عن إيران وكأنها ليست نظاماً أيديولوجياً صفوياً شمولياً حربياً، يؤله الاشخاص، ويضفي عليهم قدسية إلهية، (لهذا توقع الخامنئي، ويبدو جاداً، أن تصيب المملكة لعنة إلهية لأنها لا تعترف بقداسته في الأرض) بعد أن انقرضت الأنظمة الشمولية المقدسة من العالم ولم يبق إلا اثنان هما نظام خامنئي ونظام كيم أونغ أون في كوريا الشمالية (وتحاول كوبا التخلص من شمولية فيدل كاستروا تدريجياً بعد أن وجدت أن التجربة فاشلة، ومهينة ومذلة للناس). وصور ظريف أن إيران واحة السلام والاستقرار في المنطقة، وكأنها لم تشكل جسراً جوياً لتزويد الحوثيين بالأسلحة والصواريخ لمهاجمة المملكة، واشعال النار في اليمن، وكأن إيران هي التي توزع الحليب على الأطفال الجوعى في العالم، وكأن مرشد إيران المتزمت الخامنئي يصاب بأرق وسهد إذا شاهد صورة طفل يحترق بقنابل البراميل المتفجرة في سوريا، وكأن مئات آلاف من الميلشيات التي يرسلها خامنئي وروحاني وظريف إلى العراقوسوريا واليمن، يوزعون الزهور، ويدربون الناس على فنون زراعة المشموم والأعشاب العطرية. وكأن إيران لا تنصب رافعات تشنق مئات الإيرانيين سنوياً بتهم ملفقة فقط لأنهم إما يطالبون بكرامتهم أو التحدث بلغتهم الأصلية، وكأن فنون التمثيل المتوحشة بالناس ومنها خرق رؤوس العراقيين ب«الدريل» ليس اختراعاً إيرانياً، وكأن الإرهابي ابو عزرائيل الذي يتفنن بشي العراقيين وتقطيع أجسادهم أمام كاميرات الإعلام ليس صناعة إيرانية. وكأن ميلشيات حزب الله الإيرانية لم تخترع فن «التجويع أو التركيع» لأطفال قرى سوريا ونسائها، وكأن الحشد الشعبي الذي ينهض بمهمة التطهير الطائفي في العراق واختطاف العراقيين وقتلهم، وحرق المنازل، وتهجير العرب من العراق ليس ذراعاً تنفذ منهجية إيرانية، وآخر إنجازاته هي شن غزوات طائفية على منازل العراقيين في ديالى وقتلهم. يفترض بوزير خارجية بلد بحجم إيران وتاريخها أن يتحلى بمثل عالية وعبقرية دبلوماسية حكيمة وثرية، لا أن يتحول إلى صبي شوارع يرجم المارة بالحصى، خاصة في عالم الإعلام المفتوح، وفي منصة عالمية مثل «نيويورك تايمز»، ويتجنب أن يتحول إلى مهرج ومجال سخرية من سكان الأرض، فكثير من التعليقات وبخت ظريف واتهمته أنه يزيف ويضلل ويهين ذكاء الناس. أخيراً ما يجب معرفته أن ظريف ليس وزير خارجية بالمعنى المألوف في الدبلوماسية بين الدول، ولا حسن روحاني رئيس دولة بالمعنى المعروف، وإنما هما موظفان لدى الحرس الثوري الذي يدير كل شيء في إيران وسياستها الخارجية، ولا يعترف إلا بتعليمات المرشد، وصلاحيات روحاني وظريف لا تتجاوز صلاحية ضابط برتبة نقيب في الحرس الثوري. وهما جزء من «ديكور» وواجهة الدولة في إيران فقط، لهذا تحدث الازدواجية والتناقض بين أقوال الرئيس ووزير خارجيته من جهة وأفعال الحرس الثوري من جهة أخرى، وغالباً ما يهمش الحرس قرارات الرئيس ووعوده. وهذا يضع السفراء وعالم الدبلوماسية في حيرة، فهم مجبورون على التحدث إلى الرئيس ووزير خارجيته اللذين لا يملكان صلاحيات في الدولة الإيرانية إلا ما ينسجم مع استراتيجية الحرس الثوري المؤسس خصيصاً ليكون جيشاً للمرشد وحمايته من الجيش الوطني الإيراني، ومن انتفاضة الإيرانيين والولاء للمرشد وتقديسه، لهذا قمع الحرس الثورة الخضراء عام 2009. وأضيفت للحرس، مهمة تجنيد خلايا لنشر الفوضى في البلدان المجاورة. وتر ريحانة، زنبقة المشانق.. هي شمس.. وأكاليل الضياء.. إذ تشدوا مواويلها في وداع الدمعة الأخيرة.. وآهة أم كلمى تعاصي نيوب الدهر.. إذ يوزع الميليشيون خناجرهم.. ولعناتهم.. وحبال المشانق.. ويتفاخرون..