ترى الوكالة الدولية للطاقة التابعة للأمم المتحدة أن ثورة الطاقة الشمسية ستتواصل دون أدنى شك، إذ توقعت في تقرير صدر عنها مؤخراً بأن الطاقة الشمسية ستشكل ثلث إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة بحلول عام 2060. إذ تشهد تكنولوجيا الطاقة الشمسية تحسناً ملحوظاً كل عام مع العلم أن تكاليفها ليست أكبر من تكاليف الطاقة المولدة في محطات الفحم والغاز الطبيعي. وتشير أفضل التوقعات إلى أن الطاقة الشمسية ستصبح في غضون خمس سنوات أقل تكلفة من الوقود الأحفوري، الأمر الذي سيشكل نقطة تحوّل مفصلية في اقتصاديات توليد الطاقة. فيما قدرت دراسة متخصصة حجم سوق قطاع توليد الطاقة سنويا ب1.1 مليار ريال حول العالم وبحسب الدراسة التي أصدرتها مجموعة البنك الدولي والمؤسسة العالمية للإنارة بالشراكة مع صندوق بلومبرغ للطاقة الجديدة، فإن هناك زيادة كبيرة في عدد المستفيدين من الوحدات السكنية الصديقة للبيئة والتي توفر المزيد من الكهرباء ما يؤدي إلى مكاسب اقتصادية كبيرة. كما قدرت الدراسة عدد السكان غير المستفيدين من خدمات الكهرباء الاساسية بحوالي 1 مليار شخص حول العالم وهو ما دفع الاممالمتحدة من خلال برنامج التنمية العالمي الى التحرك وإقرار أهداف التنمية المستدامة التي تهدف الى إيصال الطاقة الى مختلف أنحاء العالم بحلول عام 2030. وقال كوين بيترز، المدير التنفيذي في المؤسسة العالمية للإنارة «كانت الإنارة بالطاقة الشمسية في الدول النامية شبه معدومة قبل عشر سنوات، وفي السنوات الأخيرة، رأينا ابتكارات وتطورات لافتة في هذا القطاع، حيث أثبتت الشركات أنها قادرة على إحداث تأثير حقيقي وإمكانية تحسين ظروف الحياة»، مشيرا إلى أن الخطوة لا تزال في بداية طريقها لتلبية الطلب الهائل من المنازل على خدمات توليد الكهرباء قليلة التكلفة. من جانبه، قال رسل سترم، رئيس قسم الوصول إلى الطاقة في المؤسسة المالية العالمية التابعة لمجموعة البنك الدولي «يشكل قطاع الإنارة خارج الشبكة بالألواح الشمسية عاملاً محفزًا للتنمية الاقتصادية». وأضاف إن الحكومات ومؤسسات التنمية، وشركات القطاع الخاص ستكون الأكثر قدرة على استشراف المستقبل وإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع، إذ يمكن أن يساهم في ضمان وقوف هذا القطاع الفتي على أرض صلبة، وذلك من خلال إشراك اللاعبين الأساسيين خلال المؤتمرات المتخصصة التي ستقام في منطقة الخليج. وكانت دول الخليج بدأت في استخدام الطاقة الشمسية في المشاريع الحكومية التي يتم تنفيذها لتحقيق التوجه في توفير الطاقة والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعة، حيث يتم تطبيق التقنية الجديدة في إضاءة المشاريع العملاقة مثل المباني الحكومية والمطارات والمشاريع الصحية. وتصدرت السعودية دول الشرق الأوسط من حيث مشروعات الطاقة الشمسية ب4.1 من 5 نقاط، وفقا لتقرير شركة «في تي إم» الأمريكية للبحوث. وتشير تقارير متخصصة إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع بأكبر الإمكانات والتوقعات التقنية في العالم من جهة الطاقة الشمسية، ويرجع ذلك إلى تزايد استخدام الطاقة وزيادة الوعي الخاص بتكلفة حرق الموارد الطبيعية. وأوضحت تلك التقارير أن السعودية وتركيا سوف تشهدان أعلى معدلات الطلب حيث من المتوقع إن تتصدر دول المنطقة من حيث استخدام أول دول تستخدم مقياس «غيغاواط» أي مليار وات خلال العام الحالي. وكانت السعودية أعلنت عن عزمها استخدام الطاقة الشمسية لتوليد 10 في المائة من احتياجاتها للكهرباء بحلول عام 2020، لتصبح بذلك أكبر مصدر للطاقة الشمسية في العالم، وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع سعي الحكومة إلى توليد 5 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول العام نفسه. في الوقت ذاته تقوم مجموعة «داي» - المدعومة من «ديزرتيك» والتي تضم 55 شركة من كبريات شركات التكنولوجيا والتأمين والمصارف في أوروبا- بإجراء دراسة معمقة لمعرفة مدى إمكانية إنشاء شبكة عملاقة من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مشارف الصحراء الكبرى بتكلفة تصل إلى 500 مليار يورو (657 مليار دولار أمريكي). وستوفر هذه الشبكة، الممتدة من مصر شرقاً إلى المغرب غرباً، الطاقة منخفضة الكربون والتكلفة لجميع أنحاء شمال أفريقيا إلى جانب 15% من إجمالي الاستهلاك الأوروبي. وتعتزم الشركات الأعضاء في «داي» – مثل «إي. أون»، و«سيمنس»، و«ميونيخ ري»، و«بنك يوني كريديت» الإيطالي، و«أبينجوا» الاسبانية، و«دويتشه بنك»- تشييد المرحلة الأولى من رؤية «ديزرتيك» في المغرب. ومن المتوقع أن يبدأ خلال العام الجاري تشغيل محطة الطاقة الشمسية -الواقعة قرب مدينة ورزازات- بقدرة تبلغ 500 ميجاواط وبتكلفة تصل إلى 2 مليار يورو، لتوليد الكهرباء للمغرب وتصديره إلى كل من إسبانيا وجنوب أوروبا في غضون السنوات الثلاث القادمة. وأشارت «داي» إلى أن هذه المحطة، التي تبلغ مساحتها 12 كم مربع، ستثبت للمستثمرين وصانعي القرار في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن فكرة مشروع «ديزرتيك» لم تأت من فراغ على الإطلاق، بل من واقع أن الصحراء يمكن لها أن تكون أحد المصادر الرئيسية للطاقة المتجددة خلال العقود القادمة. كما يتم العمل بنفس مستوى الحماسة والطموح على مشروع «تونور» التونسي الذي ما زال قيد التخطيط لإنجاز محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة تصل إلى2000 ميغاواط (2غيغاواط)؛ وتعتزم الشركات التونسية العمل على تأسيس هذا المشروع وربطه بكابلات بحرية مع إيطاليا لتزويدها بالطاقة الكهربائية الكافية لتلبية احتياجات 750 ألف منزل. ويرى أنصار الطاقة الشمسية أنّها أصبحت واحدةً من أهم مصادر الطاقة مع وصول حجم استثماراتها إلى معدلات قياسية في جميع أنحاء العالم، وذلك وسط توقعات بأن تسهم التكنولوجيا الجديدة في تحسين أدائها وخفض تكاليفها. ويرى هؤلاء بأن مزايا المشاريع الضخمة -كتلك التي تحتضنها دبي والمغرب- لن تقتصر على المساهمة في تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان المتعطشين للطاقة فحسب، بل يمكنها أيضاً أن تساعد على تعزيز ربط البلدان ببعضها البعض ودرء مخاطر تغير المناخ. وتوصل «معهد فوبرتال الألماني للطاقة والمناخ والبيئة» و«نادي روما» إلى أن المشروع المغربي وحده يمكنه أن يوفر 240 ألف فرصة عمل مع توليد طاقة كهربائية بقيمة 2 تريليون يورو بحلول عام 2050. وجاء اختيار المغرب لإنشاء أول محطة «ديزرتيك» لأسباب واقعية جداً، ذلك أنّ البلد يتمتع بالاستقرار ولديه حكومة تدعم التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة، والأهم من ذلك كله أنه مرتبط بقلب أوروبا عن طريق كابلين بحريين يمتدان بطول 25 كيلو مترا مربعا (15٫5 ميل) تقريباً عبر مضيق جبل طارق، وباستطاعة تتراوح بين 400 إلى 1000 ميغاواط. وإذا ما أحرزت المحطة المغربية النجاح المنشود، فعندها ستقوم «داي» بتوسيع المنشآت في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف تلبية إجمالي الطلب على الكهرباء بالاعتماد مصادر الطاقة المتجددة تدريجياً بحلول عام 2050. وقد تم إجراء محادثات بهذا الصدد مع حكومات الجزائر ومصر وليبيا. وتعتبر الاستفادة من طاقة الشمس في الصحراء الكبرى جزءاً من خطة أكبر لبناء شبكة أوروبية «عملاقة» بقيمة 45 مليار يورو (60 مليار دولار أمريكي) تتيح للبلدان إمكانية تبادل الطاقة الكهربائية المتجددة. وستكون هذه الشبكة وسيلة موحدة لربط طاقة الرياح في المملكة المتحدة والدنمارك مع الطاقة الحرارية الجوفية في إيسلندا وايطاليا والطاقة الشمسية من أفريقيا والشرق الأوسط. وهذا يعني أنّه سيصبح بمقدور جميع البلدان المشاركة في المشروع الاستفادة من مختلف أشكال الطاقة المتجددة. وتحظى فكرة الشبكة «العملاقة» المرتبطة بشمال أفريقيا بتأييد سياسي كبير، حيث قدم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي دعمه لخطة الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا عندما كان في منصبه. وينسجم المشروع مع مساعي «البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية» إلى إيجاد طرق جديدة لتوفير فرص العمل وزيادة الدخل في دول شمال أفريقيا. ويعتبر «الربيع العربي» بالنسبة للكثيرين فرصة لإعادة النظر في إعانات الطاقة وتطوير صناعات جديدة في البلدان التي تشهد تزايداً في شريحة الشباب والسكان المتعلمين ممن يبحثون عن فرص عمل في المجالات التي تتطلب سوية مهارة عالية. ولا تعدّ الاستفادة من طاقة شمس الصحراء لتوليد الكهرباء فكرة جديدة من نوعها، فهي مستخدمة على نطاق واسع في صحراء موهافي -الممتدة على مساحة تغطي جنوب شرق ولاية كاليفورنيا وأجزاء من ولايتي نيفادا ويوتاه- التي تتلقى من أشعة الشمس سنوياً ما يقارب ضعف ما تتلقاه المناطق الأخرى في الولاياتالمتحدة. وقد كانت صحراء موهافي على مدى 20 عاماً عاصمة للطاقة الشمسية بفضل محطات الطاقة الشمسية ال 9 التي تحتضنها مع التخطيط حالياً لإنشاء محطات ضخمة جديدة فيها. وتولد هذه المحطات ما يكفي من الكهرباء لتلبية احتياجات حوالي 500 ألف شخص؛ وإذا ما تم بناء جميع المشاريع المقترحة في كاليفورنيا، فإنها ستولد ما يقارب 3500 ميغاواط على مساحة 40 ميلا مربعا. المملكة تصدرت دول الشرق الأوسط في مشاريع الطاقة