أذكر أن بعض الزملاء كانوا يلومونني على اختيار هذا المشروع الشاق، وبعضهم تحمس معي في البداية، ثم تهيب الدخول فيه ورأى أن غيره من الموضوعات يؤدي الغرض، فعدل عن تفسير الثعلبي. ومع ذلك ثبتني الله على هذا الموضوع وأعددت خطة البحث وتقدمت بها إلى القسم، وكنت أتوقع عدم مرور الموضوع بسهولة من مجلس القسم، ذلك أنه لابد أن يكون في المجلس من يرى عدم الموافقة على الموضوع للعلة السابقة المذكورة، وهو وجود المرويات الموضوعة والمكذوبة, بل ربما يكون هؤلاء الفضلاء ممن إذا ذُكر الثعلبي وكتابه اقترن ذلك في أذهانهم بالأحاديث الموضوعة وكفى، وذلك تأثراً بما كتب حول الكتاب. وبالفعل حصل ما توقعته حيث لقي الكتاب معارضة قوية من قبل عدد من أعضاء مجلس القسم للعلة السابقة- حسب ما نُقل لي فيما بعد-، وبعد جلسة عاصفة خلص القسم إلى حل وسط بين القبول والرفض وهو تشكيل لجنة لتقييم الكتاب وعرض رأيها على مجلس القسم. وقد كان لمشرفي وصاحب الفضل الأول- بعد الله- في الموافقة على تحقيق هذا السفر المبارك وهو الأستاذ الدكتور محمد أحمد يوسف القاسم- عليه رحمة الله- كان له جهد عظيم وفضل كبير في ذلك، رغم كبر سنه ووضعه الصحي، وقد التقيته بعد خروجه من مجلس القسم ذاك فرأيت عليه من الإرهاق والمشقة ما يظهر الجهد الذي بذله لإنقاذ الموضوع من الرفض. طلبت مني اللجنة نسخة من مقدمة الكتاب، وعينات من المخطوطة، فسلمتهم ما طلبوه، وكتبت ما لدي من مبررات وحيثيات تبين قيمة الكتاب العلمية وضرورة إخراجه. وبعد اطلاع اللجنة على ذلك تبين لهم أهمية الكتاب، فمقدمة الكتاب وحدها تبين هذه القيمة العالية، من خلال أسانيد الثعلبي إلى عدد كبير من كتب التفسير، وبعضها مفقود حفظها لنا هذا السفر المبارك، ناهيك عما يحويه الكتاب في ثناياه من أقوال وآثار ومعارف لا تكاد تعثر عليها في غير الكشف والبيان للثعلبي. وأذكر أن أحد أساتذتنا كان غير موافق على الموضوع، ولما قرأ في مخطوطة الكتاب، تحول في صف الداعمين للموضوع بقوة، وذكر أنه لم يكن يظن الكتاب بهذه القيمة العالية. بعد الموافقة على تحقيق الكتاب طلب مني نسخة كاملة للمخطوط لتقسيم الكتاب على رسائل الماجستير والدكتوراه، ولا توجد نسخة كاملة للتفسير إلا النسخة التركية في المكتبة السليمانية، وبعد بحث وسؤال وجدت نسخة منها في الجامعة الإسلامية واستغنينا بذلك عن السفر إلى تركيا لجلب المخطوطة، وكانت مخطوطة ضخمة تقع في ألفي لوحة وأربع آلاف صفحة. الجدير بالذكر أنني كنت أتردد على مكة من أقصى شمال المملكة حيث كان سكني هناك، فكنت دائم الترداد لإنهاء إجراءات البحث، وتأمين ما يستجد من طلبات. تم تقسيم الكتاب، وبدأ الزملاء يسجلون في هذا المشروع بعد أن أصبح جاهزاً موافقاً عليه، ولله الحمد، وقد بلغ عدد الذين قاموا بتحقيق الكتاب واحدا وعشرين باحثاً. وبعد سنوات اكتمل تحقيق الكتاب ولله الحمد والمنة، ثم قامت مؤسسة الجفالي- مشكورة- بالتبرع بطباعة الكتاب، بعد مراجعته وتنسيقه، في جهود مشكورة كان على رأسها الأخ الفاضل الدكتور صلاح باعثمان، والذي كان ضمن محققي تفسير الكشف والبيان للثعلبي. أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة طيبة