تمتلك مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض ضمن كنوزها الثرية من المخطوطات، مخطوطة قيمة لعالم اللغة العربية أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، يعود تاريخ نسخها إلى بدايات القرن الخامس الهجري. تحظى مخطوطة ابن جني التي كانت في عداد المفقودات قبل أن تصل إلى قسم المخطوطات في المكتبة، بعناية فائقة بما يتناسب مع قيمتها العلمية والتاريخية ومكانة صاحبها، الذي يعد أشهر علماء النحو والصرف وعلوم اللغة العربية في عصره. المخطوطة عبارة عن مجلد يضم عددا من الرقوق في غير ترتيب، وكتبت بخط أندلسي أسود على رق من جلد الماشية، وبعض الرقوق التي تضمنها المخطوطة بها ثقوب ناتجة عن عمليات شدها قبل الكتابة عليها. ويبلغ عدد رقوق المخطوطة النادرة 58 رقا، وضبط الكثير من كلماتها بالشكل، كما كتبت بعض العبارات المراد إبرازها بقلم أسود عريض. يرجح أن يكون عنوان الكتاب المخطوط هو «المعرب في شرح قوافي أبي الحسن للأخفش»، حيث كتب في الصفحة الأخيرة منها «تم الاشتقاق»، ولعله يريد شرح الاشتقاق للأخفش، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من التحقيق العلمي المتخصص لعنوان المخطوطة. رمز ابن جني للأخفش الأوسط على الأرجح بقوله «أبو الحسن»، وصرح باسمه في موضع واحد من الكتاب، بينما رمز لنفسه بحرف «ع» التي تعني عثمان بن جني. واعتمد في توثيق نسبته المخطوطة لابن جني على ما عرف عنه من إشادة في كتبه لما سبق تفصيله من المسائل في الكتب التي سبق له تصنيفها، حيث ذكر في أحد المواضع بالمخطوطة إحالة إلى كتابه «سر الصناعة»، وفي مواضع أخرى «سر صناعة الإعراب» وغيرها من الكتب التي حققها لابن جني في عصور مختلفة، كما ذكر في المخطوطة بيتان من شعر المتنبي. وقال «تقصيت القول على هذين البيتين في كتابي في تفسير شعره»، يقصد بذلك كتاب «المفسر» وهو الكتاب الذي جعل المتنبي يقول «ابن جني أعرف بشعري مني». ابن جني كما تؤكد الترجمات التي تناولته، ولد في الموصل في أوائل القرن الرابع الهجري، وتحديدا عام 320ه، لأب رومي مملوك لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، ونشأ في بيئة علمية، حيث درس علوم الشريعة واللغة العربية، ولزم أبا علي الفارسي، أحد أبرز العلماء في هذا العصر في حله وسفره، وامتدت صحبته له قرابة 40 عاما، حتى عرف التلميذ مقرونا بأستاذه.