فلو كان يستغني عن الشكر ماجد لعزة ملك أو علو مكان لما أمر الله العباد بشكره فقال اشكروني أيها الثقلان ما أحوجنا أن نتعلم شكر الناس .. شكرا يطابق واقعا .. لا شكر الألفاظ والقلوب صدئة، وابدأوا معي الحكاية من قمة الهرم، حيث قال الله العلي القدير : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) ... البقرة 152. فالشكر لله كنز لا نفاد له من يلزم الشكر لم يكسب به ندما تعالوا بنا لنرى هذا القلب المفعم بالشكر .. الذي لم تكدره براثن البخل .. ولا دلاء الكبر، بل لبس ثوب المحجة البيضاء لم يزغ عنها ولم يتبدل فقد انبرى للوجاهة المرموقة التي لا يلزمها دعاية أو إعلان, مر سعيد بن العاص على بيت في المدينة، فأستسقى فسقوه, وبعد فترة مر بالدار ثانية ومناد ينادي عليها من يزيد, فقال لمولاه : سل لمَ تباع هذه الدار؟ فعاد وأخبره أن صاحبها مدين بأربعة آلاف درهم, فأرسله فأتى له ببدرة, فدخل بها الدار فسلم فأعطى الغريم أربعة آلاف, ودفع الباقي لصاحب الدار وركب ومضى، قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) ... الإنسان 10. وقد كان إبراهيم بن أدهم إذا صنع إليه أحد معروفا .. حرص على أن يكافئه أو يتفضل عليه. ترى لماذا يجب علينا شكر الآخرين ومدح أعمالهم الصالحة ؟ إن كل إنسان ليرغب في أن يكون شيئا في هذه الحياة، لذلك يحب أن يمدح ويشكر بالكلمات الطيبة التي تدخل البهجة والسرور إلى القلب، وتزيده حماسا في كل ما يعمل، والإعجاب بما يقوم به.. والكلمة الطيبة ليست مجرد شكر، إنما هي تشجيع في طريق الخير والعمل به حتى لو لم يقم إلا بالقليل، فمثلا كلمة جميلة قالها لك، أو عمل مفيد يصنعه أو محاضرة قيمة يلقيها عليك أو تواضع خلوق يتصف به أو أي شيء صالح يقوم به، فهذا يدفع الحماس في الأعمال، وأيضا لو أننا مدحنا شخصا يقوم بأعمال الشر ، فإنه سوف يداوم عليها، ولو مدحناه على الخير سيداوم عليه، هكذا حال الإنسان يحب أن يكون شيئا مذكورا. مثلا : إن مخرجا رأى فتاة جميلة فأعجب بها، ثم بدأ يمدح ما فيها من إثارة وفتنة وصوت جميل، وعن طريق ذلك جرها إلى طريق المعاصي قبلت أن تكون كما أريد لها مغنية مشهورة، بينما لو وجدت من يمدح صوتها في قراءة القرآن الكريم، والأناشيد لما اتجهت لذاك الطريق، لأن التحفيز والتشجيع لهما دور خطير في المجتمع لا يستهان به، ولهما دور في إفساد المجتمع وإصلاحه. مثلا : مجرم يقتل أربعة أبرياء لتنشر صورته في الجريدة، أراد أن يكون مشهورا مثل العلماء والكتاب، حيث قال مدير شرطة إحدى الدول الغربية : إن أول ما يطلب المجرم متى قبض عليه الجريدة ليرى صورته في صدر الصفحة الأولى بجانب العلماء والمكتشفين. فثمة مبدأ على جانب عظيم من الأهمية في السلوك الإنساني لو عملنا به لما وقعنا في المشكلات قط (اجعل الشخص الآخر يحس دائما بأهميته). عزيزي ذات يوم ستطير كلماتك من ذلك السجل الكبير، وسوف تتجمع مكونة شخصية اعتبارية من الحسنات أو السيئات فاعلم أن ثوب الشكر أنصع وأبهى فاغتنمه تغنم ! أخيرا : (الثناء بأكثر من الاستحقاق .. تملق ، والتقصير عن الاستحقاق .. غي وحسد) .. و(من لا يشكر الناس لا يشكر الله) هكذا قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.