ابن "الحوزة" وأداتها، وسفير الملالي، حسن نصر الله، المُدعي ب "المقاومة" نهجاً، وبالدفاع عن "الطاغية" عَملاً، لا وَجل ولا خَجل، فالقاتل - في عُرفه – شهيدٌ، والذاهب إلى "الكرامة" – في فقهه – رجيمٌ، "تائه" أم "زائف"؟، لا تُغني الإجابة، ولا تُسمن، في مواراة دموية مفرطة رافقت مسيرته، من بائع خضارٍ إلى سدة حزب، وصفوه -زوراً وبهتاناً- بأنه "حزب الله"، الميليشيا الخارجة عن "القيمة" قبل خروجها على "الدولة". هو ابن الخمسة عقود ونيف، المولود عام (1960) في "البازورية"، القرية اللبنانية الجنوبية الوادعة، ربيبة صور، المدينة الفينيقية الساحلية، درة البحر وعروسه البيضاء، التي كانت يوماً سيدة "الأوقيانوسات"، وفق الأسطورة الإغريقية، لتبيت اليوم حبيسة طائفية متوحشة، وغارقة في الدم، ليس السوري فقط، فمن قبله اللبنانيوالفلسطيني أيضاً. سيرته الشخصية تستدعي التوقف، ففي وقت مبكر غادرت أسرته إلى "الكرنتينا"، بأطراف بيروت، من ضيق في الحال، إلا أن الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت عام 1975، وهو ابن الخامسة عشرة، دفعته للعودة إلى القرية، التي لم تكن يوماً بطابع مذهبي أو ديني، فآنذاك غلب "الفكر الماركسي" على نخبتها، وساد "الشيوعيون" أروقتها؛ ورغم ابتعاده عن السياسة ودروبها إلا أنه التحق بصفوف "حركة أمل" الشيعية، متدثراً بعمامة موسى الصدر، الذي آمن بالفرز المذهبي بعيداً عن دولة المواطنة والقانون في لبنان. وعهد الصدر بِ "غُرِّ" السياسة، حسن نصر الله، إلى ممثله الديني محمد الغروي، وبعد تلقينه أسس المذهبية والطائفية، دفع به إلى "النجف"، مُحَمِّلاً إياه كتاباً إلى محمد باقر الصدر، موصياً فيه وبه، ليتعرف تالياً إلى عباس الموسوي، ويؤسسا لاحقاً "حزب الله"، في انشقاق سياسي رفضا به الانضمام إلى "جبهة الانقاذ"، ذات الطابع الوطني، وتمسكا بالمذهبية عبر حزبهما الوليد. التجنيد المذهبي، الذي حظي به "غُرِّ" السياسة آنذاك، لم يكن شافياً، فقرر الذهاب إلى إيران، مدعياً طلب العلم والمعرفة، وكأنهما لا يصحان ولا يستقيمان إلا بين جنبات الفرس، وهنا كان الصقل السياسي والمذهبي، وربما الإعداد لما هو آت في حزب أَشهَر تبعيته إلى إيران مبكراً، ففي بيان له (فبراير/ شباط 1985) أعلن أنه "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة، تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في الخميني، مفجّر"ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة" كما ادعى. حزب الله تدثر بالدين والمذهب ليواري تبعيته إلى إيران، صاحبة المشروع القومي الفارسي، الهادف الهيمنة على المنطقة، ومد أذرع الدم فيها، أنّى استطاعت ذلك، وهو ما كان لحزبِ "غُرِّ" السياسة، العائد إلى لبنان مُتدرجاً في مراتب تنفيذية، أتاحت له – لدى اغتيال عباس الموسوي عام 1992 – الصعود إلى سدة الحزب، ليبدأ مشروعه السياسي في لبنان؛ إذ ظل الحزب حتى هذه اللحظة مجافياً للعملية السياسية، ومكتفياً بذاته كميليشيا مسلحة، تستقطب عناصرها ومرتزقتها على أسس مذهبية وطائفية. بعد هزيمة حزيران 1967 بنحو عامين، بدأ العمل الفدائي الفلسطيني من لبنان، واستهدف فتح جبهة قتالية على شمال "إسرائيل"، الآخذة في التمدد، تناصر الجبهات الأخرى في الأردن وسيناء مصر، وهو ما لم يرق لسوريا، في عهدة حافظ الأسد، الذي حرّك جيشه لقتال المقاومة الفلسطينية والفصائل اللبنانية وتجريدها من السلاح، وإتاحته للمليشيا الشيعية، التي تجسدت بعد عام 1982 ب "حزب الله"، ليستكمل قوته الناشئة بالرعاية والدعم الإيراني - السوري. تُوّج نصر الله وكيلاً شرعياً لآية الله علي خامنئي، وممثلاً لمشروع إيران القومي في لبنان، مختطفاً منجزات المقاومة اللبنانية في عدة محطات، ناسباً إياها لذاته وحزبه، ومحققاً ب "الزيف" و"التزييف" شعبية تجاوزت المحلي إلى العربي، حتى بداية الانكشاف والسقوط المدوي. "العروبة"، كانت الكلمة المفتاحية التي طالما تبجح بها نصر الله في خطاباته، وزاود بها على قادة الأمة وشعوبها، حتى ظنّه البعض "قِبلَة" تجوز لها "الهجرة"، ويصح إليها "الحج"، إلا أن الزّيف ما لبث أن انكشف ب "قُبلته" الشهيرة، التي لَثَم بها يد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، منحنياً، ومُفرّطاً بجبهة – في فقهنا - لا تنحني إلا لله (عز وجل). "القُبلَة" أسقطت "القِبلَة" الزائفة، وأودت بها إلى أسئلة لا تنقطع عن ماهية هذا؟، ظلّت إجاباتها تائهة، حتى تبدد الزيف تماماً، لتظهر الحقيقة المرّة ماثلة في سوريا. لا يتورع "الخطيب المُفَوّه" عن تبرير زيفه، ولا يفقد الوسيلة إن كانت "الكذب" و"الافتراء"، فالطريق إلى فلسطين، التي تغنى بها ولي إيران، يمر فقط عبر سوريا، وب "حماية" الجولان المحتل، والزج بمن أسماهم "أسود المقاومة" في قتال طالبي الكرامة والتحرر من "الطاغية". أَيُ فلسطين، وأيُ قدس تلك التي قصد؟، "طريق القدس يمر في القلمون والزبداني والحسكة والسويداء"، العبارة الأكثر حُمقاً وقُبحاً في تبرير قتاله في سورية، فهو !!!! يقاتل هناك "من أجل سورية ولبنانوفلسطين"، وربما من أجل اليمن وليبيا أيضاً. لا يُدرك "سيد المقاومة والممانعة" أن شلال الدم السوري أيقظ مَنْ غَفِل عن تُرّهاته، وأن خطاباته لم تعد إلا قيحاً طائفياً تفوح منه رائحة الفرس ومشروعهم التوسعي، وأن ما اكتسبه – بزيفه - لم يَعُد رصيداً لمشروع وُلاته، بل انقلب عليه وعليهم، وبات مِقصَلة يشهدها الحاضر والمستقبل. الانقسام الطائفي في لبنان، الذي ابتدعه "صاحب العمامة السوداء"، أوشك أن يقضي على وطنية الدولة، التي باتت فِرَقاً ومذاهب، وهو الأمر ذاته الذي يبتدعه في سورية، التي خرج أهلها – بمختلف تصريفاتهم - على أنّاتهم الصامتة، ليقولوا: "لا للأسد ونظامه"، مبتغين كرامة وحرية، ومستقبلاً يضمن لهم بقاء الأمل، ما عنى لإيران وربيبها خطراً محدقاً، يُسقط مشروعها الدموي. صاحب الميليشيا السوداء ما كان له أن يَزيح بوجهه عن الأسد، فطهران ادخرته ليوم "ذي متربة"، وقد حَلّ، فسقوط الطاغية يعني بالضرورة الإطاحة ب "إيوان" كسرى، في لبنانوإيران معاً، فانفلت – ووُلاته - من "عِقالِه"، في جريمة هي الأبشع على الإطلاق، هي جريمة "الدفاع عن الطاغية"، ففي عُرفه الطريق إلى الحرية تمر بين يدي الطاغية، ومن على جثث الأطفال والنساء. في خطابه الأخير، الذي أبّن فيه سمير القنطار، بدا صاحب الميليشيا مُضطرباً، لا يعرف كيف يكون الشهيد؟، وبأي ساحة يكون شهيداً؟، فصاحب الحفل قُتِل في سورية، ليس دفاعاً عنها، بل ذوداً عن "الطاغية" ونظامه، وألحقه بعليين دون أن يسأل دماء من تلك التي سالت برصاص بندقيته؟. وزاد نصر الله اضطراباً حين اعتلت خارطة فلسطين جانب كتفه الأيمن، في إيحاء بأنها حاضرة في قتاله بسورية، لكن الخارطة كانت ب"الراية الفارسية"، في رسالة أسقطت عن عُرِيّه ورقة التوت، فقد أغفل عروبة فلسطين وإسلاميتها، وأنها لم تكن يوماً إلا عنواناً وقِبلَة لرواد الحرية والتحرر، ومدرسة تلقت فيها البنادق قيم الحق والعدالة. نصر الله بحث طويلاً عن تبرير لوجهة بندقيته، ورصاصها المسكوب في أحياء وأزقة القرى السورية، التي يستدل عليها المرء اليوم من تقاطر الدم المسفوك فيها، وصراخ طفل يبحث عما يقيته من ثدي أمه القتيلة، ولسان حاله يقول: أية مقاومة هذه؟.