في لمحة وفية من دارة الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، دشنت مشروعا وطنيا رائدا، احتفت فيه بالرجال الذين كانت لهم يدٌ طولى في توثيق المرحلة الأولى من مراحل قيام الدولة السعودية في طورها الأول، ومن الجميل أنها احتفت بهم في بلداتهم، وكان للأحساء منها نصيب، حيث (الشيخ حسين بن غنام) أول مؤرخي الدولة السعودية، بحضور سمو محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود. كان الأدب عامة، والشعر خاصة حاضرا، بل شاهدا على الأحداث التي أحاطت بدعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، ورافقت قيام وتوسع دوائر الدولة السعودية الأولى، وسخر الله لتلك الدعوة العظيمة والدولة التي بنت أسس ملكها على إقامة الشريعة السمحة، عددا من العلماء، والمؤرخين، والأدباء، والشعراء. وكان من أبرز الأدباء والشعراء الذين عاصروا تلك الانطلاقة: الشيخ حسين بن غنام التميمي؛ حيث كتب تاريخه الكبير: (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام)، وعُرِف به، وساق فيه مجموعة من قصائده بحسب مناسباتها. وقد سبق لعدد من النقاد ومؤرخي الأدب وكتاب التراجم أن تناولوا سيرته العطرة، بينما لم يحظ أدبه إلا بآراء محدودة بثها بعض الدارسين والمهتمين أمثال: الأستاذ الكريم عبدالعزيز بن أحمد العصفور في بحث صغير مخطوط عن حياته، وأ.د. عبدالله العلي في دراساته العديدة حول الأدب والشعر في الجزيرة العربية، وعنه تناقل عدد من مؤرخي الأدب السعودي آراءه في تلك الحقبة. ويعد كتابه في التاريخ الوثيقة الأهم في كل تراثه، حيث حوى نثره وشعره، ولا ديوان له سواه، سوى ما تناثر من قصائد في بعض المجموعات الشعرية، والمخطوطات، وأبرز طبعاته تلك الطبعة التي خدمته دون المساس بمحتواه، التي أخرجها وعُني بها الأستاذ سليمان بن صالح الخراشي، ونشرتها دار الثلوثية للنشر والتوزيع عام 1431ه (2010م). ومما يثير الاهتمام، تنازع مؤرخي الدعوة والأدب في انتماء شخصية ابن غنام بين مسقط رأسه في الأحساء، والبيئة التي برز فيها وأعطى وأنتج في (نجد)، وبخاصة (الدرعية)، ويظهر ذلك من إدراجه في قائمة علماء (نجد). ومن أبرز خصائص نثر ابن غنام: امتزاج مشاعره الإيمانية بما يرصده من أحداث فرحا عند انتصار الحق، وشعورا بالحزن العميق والقهر عندما ينهزم، والسجع المتكلف. وفي الشعر: انتماؤه للمدرسة التقليدية، المحافظة على عمود الشعر العربي القديم روحا وبناء، وتعد قصائده مصدرا تاريخيا في عصر قل فيه التدوين، ولم يكن شاعرا محترفا، وإنما كان عالما لغويا وشرعيا، وما حُفظ ل (ابن غنام) من قصائد في مجملها لا تخرج عن أغراض الإخوانيات، والمديح، والحماسة، والرثاء، مع ما يتداخل مع هذه القصائد من إيماءات لبعض المخالفات العقدية، والأحداث التاريخية، المتصلة بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، متخذا من اللغة الدينية لسانه الشعري الأوحد. ويبدو ابن غنام في بناء قصائده ذا منهجين مختلفين؛ فحين يخلص لفنه، فإنه يجري مجرى الشعراء الذين في عصره، وفي بلد نشأته، حيث كان شعراء الأحساء في أكثر شعرهم يبدأون مطالعهم بالغزل، أو بمقدمات فنية تمهد للموضوع، وحين يخلص لدعوته، فإنه يتجرد من تلك المقدمات التقليدية، ويباشر موضوعه، وهو ما شاع عند شعراء الدعوة بعد ذلك، وربما كان رائدا فيه. وحين يكتب في الدعوة والتاريخ، يلاحظ غرامه بالغريب، وبالبديع، وألوان البيان: من استعارة، أو تشبيه، أو مجاز، وينحو نحو النظم في وسط قصائده، ويبدو لديه ضعف التأليف والصور المستهلكة، والقافية المجتلبة، وحين يخاطب الشعراء تبدو قدرته اللغوية، وقوة تعبيره عن المشاعر الإنسانية البشرية؛ لما يعلم عن اهتمامهم بذلك؛ مما يدل على امتلاكه لناصية اللغة. ومما أرجوه من دارة الملك عبدالعزيز: إطلاق مشروع جديد لإصدار دواوين شعراء الدعوة في نجد والجزيرة، ومنهم هذا الشاعر (ابن غنام)، واستكمال نسخة الأستاذ سليمان الخراشي؛ لأنه لم يكمل الكتاب حتى آخره، بل انقطعت به المخطوطات. مهنئا دارة الملك عبدالعزيز بهذا المشروع العلمي البحثي الوطني، راجيا أن يلقى التوفيق والنجاح.