لو سألت اي ام سعودية عن اكبر هّم تحمله بين اضلاعها، لقالت ودون تردد انه سلامة ابنائها من الحوادث المرورية، فالله وحده يعلم مدى قلق وانشغال الامهات عندما يخرج ابناؤها لمشاويرهم اليومية او للسفر لاحدى مدن المملكة. ولا شك ان احدا لا يلوم الامهات على عظيم قلقهن من اخطار حوادث الطرق والتي اكلت الاخضر واليابس ولا تكاد تجد اسرة سعودية لم تفقد عزيزا في حادث مروري. أمهاتنا لا يهمهن تنظير المتخصصين ولا أطروحات المنظرين عن ان اضلاع الحوادث المرورية الثلاثة وهي الطريق والقائد والمركبة، ولا يشفى قلق امهاتنا كثرة التصريحات الصحفية والندوات التي تعقد للتنظير لكيفية السيطرة على هذا البعبع، او سمها ان شئت حرب الشوارع الشرسة والتي اكلت الاخضر واليابس وتتسبب سنويا بقتل اكثر من سبعة آلاف شخص في مواقع الحوادث ومثلهم بالمستشفيات، واكثر من ذلك اعداد الشباب ممن تسببت الحوادث المرورية لهم باعاقة شبه تامة لدرجة عدم قدرة بعضهم خدمة نفسه وغدوا عبئا على انفسهم وعلى ذويهم وعلى المجتمع. هنا نتكلم فقط عن أرواح بشرية ولن نتكلم عن التكاليف الباهظة لهذه الحوادث على الاقتصاد الوطني، والذي تفوق خسائره العشرين مليار ريال سنويا، ولا نتكلم هنا عن خسائر شركات التأمين التي تتجاوز ستة مليارات، والتي تحملها هذه الشركات المواطنين عبر ما نشهده من زيادة سنوية في اقساط التأمين، ولن نتكلم هنا عن الآثار الاقتصادية من كون ان ثلث اسرة مستشفيات الدولة مشغولة بمصابي حوادث المرور، ولا عن كون ثمانين بالمائة من اصابات الطرق هي من فئة الشباب مستقبل البلاد وعمادها، والذين تدفع الدولة وفقها الله المليارات لتعليمهم وتطويرهم ليسهموا باستمرار نهضة بلادنا العزيزة، فقط لنجد ان عددا منهم غدا عبئا على اسرته وعلى الوطن وعاش ما بقي من عمره في معاناة لا يعلمها الا الله وهذا الشاب الضحية. ورغم كثرة التصريحات من ادخال نظم جديدة والوعود بانها ستخفض الحوادث والمآسي التي يعاني منها المجتمع السعودي، الا ان ما نشهده على ارض الواقع خلاف ذلك فالحوادث في ازدياد والاستهتار بالنظم هو الغالب، والطرق تملؤها السيارات المتهالكة والملوثة للاجواء، كما ان المستقبل لا يبشر بالتحسن لكون اكثر من ثمانمائة الف سيارة جديدة تدخل طرق المملكة سنويا. في خضم هذا البحر المتلاطم من مآسي الطرق يبقى الحل الوحيد والمتاح بعد توفيق الله هو التشديد والصرامة المتناهية بتطبيق النظام دون هوادة، وهذا لن يتأتى الا بالنزول للشوارع والطرق لضبط الفوضى المرورية حيث ترتكب المخالفات من السرعة الزائدة او القيادة على اكتاف الطرق او ارهاب سائقي المركبات عبر القيادة خلفهم بسرعة متهورة، وبمسافة لا تزيد عن المتر او قطع الاشارات او الانشغال بالهواتف وغيرها من مخالفات خطيرة.