بعد بحث وتنقيب وتجوال هنا وهناك وافق قسم التفسير في كلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط على تسجيل موضوع «الدخيل في تفسير زاد المسير لأبي الفرج ابن الجوزي» يأخذه عدد من طلاب الدراسات العليا والحاصلين على الماجستير، وكان لزاماً علينا الجمع في الإشراف بين أستاذين أحدهما في التفسير وعلوم القرآن، والآخر في الحديث وعلومه، وكان لهذين الشيخين من الفضائل عليَ ما يطوق عنقي ما بقيت. آثرت هنا أن أذكر بعض اللمسات السديدة المفيدة لهما فترة إشرافهما عليَ في إعداد رسالة الدكتوراة كي نحذو حذوهما ونتخلق بأخلاقهما الرفيعة وتفانيهما في حب طلابهما. أما أحدهما فهو فضيلة الأستاذ الدكتور: محمد كامل مهران أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، كان شيخي رحمه الله يتابع معي مراحل كتابة الرسالة وبعد إتمامها استضافني في منزله عدة أيام لقراءتها عليه كاملة، يفرغ نفسه تماماً لهذا الأمر، علماً بأنه كان مريضاً يشكو من الكبد وكان في مراحله المتأخرة، وبعد أن تحدد موعد لمناقشة البحث اشتد عليه المرض وأوصاه الأطباء بملازمة المستشفى والمكث في العناية المركزة، ومع ذلك أصر شيخي على عدم تأخير موعد المناقشة وقطع المسافات الطوال للحضور ويرافقه أحد أفراد أسرته، ولم يخبرني بذلك كله إلا بعد إتمام المناقشة متوجهاً من الكلية إلى المستشفى ولم يمض عدة أسابيع حتى وافته المنية رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وأما الثاني فهو فضيلة الأستاذ الدكتور: محمد محمود أحمد بكار أستاذ ورئيس قسم الحديث وعلومه في نفس الكلية، جلست معه في بيته بداية تسجيلي للموضوع وحددنا سوياً المسائل التي تندرج تحت مسمى «الدخيل» كالأحاديث الموضوعة، والروايات الإسرائيلية التي تخالف القرآن والسنة، والقراءات الشاذة، وغير ذلك من المسائل. طلب مني أستاذي ألا أتناول في بحثي المسائل التي صرح ابن الجوزي ببطلانها ومخالفتها لصريح القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، وكانت المفاجأة في جلسة المناقشة، جاء أحد المناقِشَيْن وكان رئيساً لقسم التفسير في إحدى كليات أصول الدين جامعة الأزهر، قام بحصر جميع المسائل التي صرح فيها ابن الجوزي بكذبها وبطلانها وأسند إليِ التقصير في جمع مسائل الدخيل وحصرها، وهنا وقف شيخي صادعاً بكلمة حق وصرح أمام الجميع أنَّ ذلك من توجيهاتي للباحث، وأنا المسؤول عن ذلك والطالب ما قصر في شيء، ولم يتحرج أو يتنصل من ذلك، وأخذ يقنعه أنَّ صاحب التفسير إذا أفصح لنا عن بطلان الرواية وصرح بكذبها فلا داعي لأن يضيع الباحث وقته في ذلك، ويتفرغ للمسائل التي غفل عنها المفسر، وحتى يثبت للجميع أنه وباحثه على صواب أسند قراءة نتيجة المناقشة إلى هذا العضو المناقش وبلسانه أقر بصلاحية البحث واستحقاقه لدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى. وكانت مناقشتي للدكتوراة وما حدث فيها من اختلاف وجهات النظر سبباً أصيلاً لأن يجتمع قسم أصول الدين في أسيوط ليتفقوا على المسائل التي تندرج تحت مسمى «الدخيل» والتي يلتزم الباحث بدراستها. أقول: إنَّ أمثال هؤلاء هم العلماء العاملون، الذين يتقون الله في طلابهم، ويعاملونهم كأبنائهم، ويضحون بالغالي والنفيس من أجلهم، ولا يخشون في الله لومة لائم، أذكر نفسي وطلابي وزملائي ومشايخي بأمثال هؤلاء ومواقفهم المشرفة نحو طلابهم. أستاذ الدراسات القرآنية المشارك في جامعة الإمام