إن العولمة هي انفتاح الأسواق وإزالة القيود أمام الحركة التجارية والاستثمارية عبر دول العالم، وبالنتيجة تحول الاقتصاد العالمي إلى ما يشبه السوق الكبيرة المتداخلة والمنفتحة على بعضها البعض. وصحيح أن العولمة اتخذت أشكالا أكثر حدة من المنافسة خلال السنوات الأخيرة، لكن الشركات العائلية في دول الخليج العربي تعايشت مع قضايا العولمة وانفتاح الأسواق منذ وقت مبكر بالنظر إلى طبيعة النهج الاقتصادي الذي تتبناه الدول الخليجية في الانفتاح وتحرير الأسواق من سبعينيات القرن الماضي. لقد سعت الشركات العائلية في الدول الخليجية ومنذ وقت مبكر إلى مواجهة التطورات العولمية بإتباع عدة إستراتيجيات منها على سبيل المثال أولا التحول إلى شركات مساهمة عامة، أو ثانيا توسيع وتنويع نشاطاتها سواء جغرافيا أو قطاعيا، أو ثالثا بناء نموذج أعمال متميز يسمح لها بالبقاء، على سبيل المثال أن تكون حلقة في سلسلة انتاج أو نشاط تكاملي ضمن قطاع اقتصادي معين. وسوف نتطرق في مقالتنا هذه إلى هذه الاستراتيجيات بشيء من التفصيل. فيما يخص إستراتيجية التحول لشركة مساهمة عامة، يرى المدافعون عن أفضلية هذه الإستراتيجية أنها تحقق للشركات العائلية العديد من المزايا ومنها تأمين استمرارية الشركة المساهمة على المدى البعيد، علاوة على معالجة مشاكل غياب التنظيم الكافي والبنية التحتية القانونية للشركات العائلية وقلة موارد التمويل وصعوبة الحصول على القروض المصرفية حيث إن البنوك بطبيعتها تميل إلى ائتمان شركات المساهمة العامة، كما سوف تعزز درجة الافصاح والشفافية، وتؤدي إلى الفصل بين التداخل بين الملكية والادارة. كما يرى المدافعون عن مثل هذه الإستراتيجية أن التحول إلى شركة مساهمة عامة سوف يحقق درجة أعلى من الشفافية والوضوح المالي، وكذلك رفع مقدرة الشركات العائلية على النمو والتوسع الرأسمالي وبالتالي كسب ثقة البنوك وإيجاد التمويل اللازم لمواجهة التحديات الكبيرة. في مقابل هذه المزايا، يرى الفريق الآخر الذي هو غير متحمس لفكرة التحول إلى شركة مساهمة عامة أن هذه الإستراتيجية سوف تفقد الشركة العائلية خصوصيتها وتمكن الآخرين من التدخل في شئونها وكشف أسرارها وتوجيه استراتيجياتها مما يحرف هذه الشركات عن الأهداف الأصلية التي كان الجيل المؤسس يطمح لتحقيقها. أما فيما يخص الإستراتيجية الثانية الخاصة بالتوسع والتنويع في قطاعات وأسواق خارجية، فقد شهدت ساحة الشركات العائلية تطورات هائلة من حيث طرق تشغيل الشركات وذلك لمواكبة التطورات العولمية. وقامت هذه الشركات بالتوسع المستمر لنطاق أعمالها عالميا، حيث تمتلك فرق عمل متعددة الجنسيات وحتى الهياكل التنظيمية للشركات شهدت تغيرا جذريا مع دخول هياكل الشركات التي تهيمن عليها مجالس الإدارة. لقد حققت إستراتيجية التوسع في الأسواق العالمية نجاحات كثيرة للشركات العائلية الخليجية، لكنها بذات الوقت عرضتها لتقلبات الاقتصاد العالمي والأزمات التي يمر بها بين الفينة والأخرى. وتتفاوت التقارير التي تتحدث عن أوضاع الشركات العائلية في دول المجلس بعد هبوب رياح الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبعد امتداد آثار الركود الاقتصادي في كافة الأنشطة في المنطقة. وتظهر بعض البيانات أن الشركات العائلية خسرت نصف ثرواتها أي 500 مليار دولار خلال الأزمة المالية. ويعزي محللون هذه الخسائر إلى السياسات الإستراتيجية غير المدروسة في كثير من الأحيان، خاصة عندما تجاوزت الشركات العائلية خطوط أعمالها الرئيسية لتدخل في مضاربات العقارات والأوراق المالية تحت غطاء تنويع مصادر الدخل، خاصة أنها مثلت أنشطة مغرية من حيث العائد في وقت من الأوقات. ونتحدث أخيرا عن إستراتيجية ثالثة اتبعتها بعض الشركات العائلية في مواجهة قضايا العولمة وهي بناء نموذج أعمال فريد ومتميز على سبيل المثال أن تكون حلقة في سلسلة إنتاجية متكاملة بضمن نشاط اقتصادي أو قطاع صناعي أو تصديري معين. وليس بالضرورة أن تكون السلسلة الإنتاجية موجودة في بلد واحد، وإنما في عدة بلدان وذلك لكي تتم الاستفادة من المزايا النسبية التي يوفرها كل بلد. وقد أظهرت الأزمات العالمية المتتالية أن معظم المؤسسات التي حققت النجاح وتمكنت من تحمل العواصف والأزمات التي تجتاح الشركات قد اتبعت نمطا معينا من تلك الإستراتيجية مثل «وال-مارت» و «فورد» و «بيجو» و «ايكيا» و «تاتا» و «ال جي» و «سامسونغ». إن هذه المؤسسات لم تتمكن من تجاوز الأزمات الاقتصادية والحروب وغيرها من التحديات فحسب، بل تفوقت في أدائها أيضا على نظيراتها. وأيا كانت الإستراتيجية التي تتبعها الشركة العائلية في مواجهة العولمة، فقد أثبتت السنوات الماضية أن الاقتصاديات الخليجية لا يمكنها الاستغناء عن الدور المميز والفريد الذي تلعبه الشركات العائلية. لذلك، لا بد من توجيه الدعوة للحكومات الخليجية لتقديم المزيد من الدعم للشركات العائلية في مواجهة تحديات العولمة، خاصة بعد أن أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة أن الشركات العائلية ممكن أن تلعب دور الرافعة في تنشيط الاقتصاد، وخاصة من خلال توليد الوظائف وتشجيع الطلب. ويمكن أن يتحقق ذلك الدعم من خلال إشراك الشركات العائلية في المشاريع الاستثمارية الكبرى عبر فتح باب المساهمات أو الاكتتابات الخاصة في هذه المشاريع سواء مشاريع الإنفاق أو الطرق أو المطارات. ان الشركات العائلية في وضع يؤهلها لمساعدة الحكومات والمؤسسات الرسمية وباقي شركات القطاع الخاص لتجاوز آثار الأزمة المالية العالمية لما تملكه كثير من العائلات من عمق مالي ونقدي. كما ان الفرصة مواتية للشركات العائلية الخليجية لإعادة هيكلتها من خلال استحواذات جريئة واتباع استراتيجيات إبداعية كي تعود بفائدة مزدوجة على أفراد العائلة المؤسسين والمستثمرين الخارجيين. شهدت ساحة الشركات العائلية تطورات هائلة من حيث الادارة والتشغيل