(تلك التفاصيل) مجموعة قصصية صادرة عام 1432ه عن (دار كنوز أشبيليا) للنشر والتوزيع بمدينة الرياض للدكتور حسن حجاب الحازمي. تتكون هذه المجموعة من تسع قصص قصيرة، تناول كاتبها من خلالها مشاهد متنوعة لحياة مجتمعه الذي عاش فيه سنين عمره الأولى، وهو مجتمع (القرية) في الزمان السابق، مستخدما اسلوب الاسترجاع والتذكر، واستعراض الماضي بذاكرة حاضرة، تقارن بين اليوم والأمس من نواح عدة: اجتماعية واقتصادية وثقافية وحضارية. أما فيما يتعلق بالبناء الفني للمجموعة فقد اتحد شخص الكاتب بشخص الراوي في أغلب نصوصها، وكأنهما شخص واحد، معتمدة على السرد المباشر للحدث، دون توظيف التقنيات الأخرى من تخييل وتصوير، أو الاستفادة من الأساليب المجازية الأخرى، القائمة على الرمزية وعدم المباشرة والانزياح اللغوي السردي. يستثنى من ذلك نص قصصي واحد ضمن نصوص المجموعة كلها، ألا وهو ذلك النص الذي جاء تحت عنوان (نقيق الضفادع) فهو النص الوحيد المختلف عن بقية نصوص المجموعة من حيث كونه قائما على لغة سردية (مرمزة) تجمع فيما بين الرمز كأداة فنية تحيل اللغة الى رموز، وبين دلالات هذه الرموز على أرض الواقع، مع وجود قرينة ملموسة أو حسية بين كل رمز ودلالته اللغوية، تؤكد العلاقة بينهما. في هذه القصة يستعرض لنا الكاتب ملامح طريق (مسفلت) خطر، يزدحم طوال ساعات الصباح والمساء بمرور السيارات، وحركتها الدائبة عبره، مما يجعل عبور المشاة بين ضفتيه أمرا صعبا للغاية، وقد يعرض مجتازيه للموت أو الهلاك في أي لحظة من اللحظات !!! ويوضح الكاتب هنا ان هذا الطريق يفصل فيما بين قرية البطل، على الطرف الغربي منه، وبين نهر جميل، يمتد ناحية الجهة الشرقية الأخرى المقابلة. وقد اعتادت هذه الشخصية المحورية في هذا النص على اجتياز هذا الطريق بحذر شديد مرتين في اليوم، لزيارة ذلك النهر للاستجمام والسباحة في مياهه النقية الدافئة، والاستمتاع بسماع نقيق ضفادعه، وشم نسيمه العليل الذي يداعب الكائنات الحية حوله. وكانت هذه الشخصية -على الرغم من نصائح ذويها لها (أمه وابيه)- بعدم ارتياد هذا النهر، نظرا لخطورة الطريق الذي يحول فيما بين القرية وسكانها، وبين النهر، الا انها مصرة على زيارته، ولا تستطيع التوقف عن ذلك، مما أدى في نهاية المطاف الى أن قامت احدى السيارات المسرعة ذات مساء بدهسها فجأة وقتلها. وكانت هذه هي نهاية القصة!! ولو تمعنا في هذه القصة من حيث رمزيتها لوجدنا أن (القرية) ووقوعها على الجهة الغربية من هذا الطريق ترمز للمجتمع البدائي، أو القروي، في تكوينه ونسيجه الاجتماعي البسيط، وحياته التقليدية البعيدة عن التمدن والحضارة وضوضائها، وأن موقعها جهة الغرب من هذا الطريق تعني عزلتها الريفية عن صخب دوران عجلة التمدن الحضاري وجلبتها المزعجة، وكأنها غارقة في غيبوبة السكون والدعة والهدوء، كما توحي به كلمة (غرب) من معان. بينما يرمز (النهر) للحياة المدنية الحديثة والمتجددة، الواعدة بمستقبل مشرق، خاصة أن وقوعه ناحية الشرق يوحي للقارئ بذلك. أما (الطريق) فقد كان رمزا للمشقة والعناء والمتاعب والصعوبات التي تواجه أي شخص يريد أن ينتقل من مكان الى آخر، أو يريد أن يترك حياة القرية الهادئة الى حياة المدينة، وحراكها الصاخب، بناء على غاية أو مصلحة شخصية معينة، يريد ادراكها من وراء هذا الانتقال، ومهما كانت نتيجته. لقد أتقن الكاتب -فعلا- خلال هذه القصة توظيف الرمز ودلالاته بشكل واضح هنا، مما جعل هذا النص متميزا عن جميع نصوص المجموعة، التي لعبت المباشرة دورا واضحا في تكوينها، حتى كادت تكون شبيهة بذكريات شخصية سابقة، مجردة من فنيات السرد، واستثمار أدواته.