لا تتوقف انفجارات الشرق الإسلامي التي تفتك ببلدانه وتحوّل تنوع مجتمعاته وأطيافه المذهبية والقومية إلى مشاريع حرب مجنونة، في حين تعصف المنطقة بخطاب ملتهب، وتعيش دوامات عنف لا حدود لها، أضحت جزءا من وجبة الأخبار التي يستمع لها الناس يوميا، وتتعود مسامعهم عليها، وهم في حلقة دفع لبركان كبير، سيُعيد تخطيط الشرق المحترق، من حلفاء متعددين، الدم ليس دمهم والمال خارج خزائنهم. ومن أخطر مظاهر هذه الحالة، غياب الخطاب الجامع أو المهدّئ، أو المقترح لحلول تجمع أركان الشرق الإسلامي على رؤية مشتركات تساعد لإعادة بث فقه التعايش في منظومة واقعية، وتأسيس أرضية لحلف الفضول الذي غابت شمسه اليوم طويلا عن هذا الشرق الحزين الغارق في مآتم لا تنتهي. وهنا نحن ندرك تماما ضمن تخصصنا في التحليل السياسي الذي كتبنا فيه طويلا، وهو دور الثقافة الطائفية التي صعدت واستشرست مع الثورة الإيرانية، وأيضا مع خطاب غلو تمكّن من اخضاع كتلة الرعاية الكبرى في الأمة، وهي مدرسة أهل السُنة لتهديده، ونشرت ممهدات لهذا الانفجار الكبير الذي نعيشه. ولأن التاريخ الاجتماعي والسياسي والقوة الديمغرافية الإنسانية في الشرق الإسلامي كانت ولا تزال عند أهل السُنة ليس كقالب مذهبي، بل لتسلسل تشريعي وتاريخي ومسؤولية اجتماعية، كما أن هذه الكتلة العظيمة، نجحت بالفعل في رعاية الطوائف والجماعات البشرية، واستوعبت احداثا وفتنا كبرى. ثم أعادت الوضع إلى السكة الصحيحة، للحياة الاجتماعية الكبرى بين المسلمين، من أهل القبلة وبين طوائف الديانات فضلا عن الأعراق والقوميات، التي يؤسس الإسلام الخالد لوحدة مسلميها فيه مهما اختلفت ألوانهم وأعراقهم. كل ذلك يؤكد الحاجة لتصدير خطاب مركزي لصناعة ضرورات للسلم الأهلي عبرهم، في هذا المشرق، وبنية ثقافية يُطلق بعدها برنامج تحضير لمشاريع تطفئ الحرائق المشتعلة، كيف تتم هذه المعادلة وكيف تتحقق وكيف يُبدأ بها في ظل هذا التراشق العنيف الذي يقتلع المجتمعات، هذه غيوم سوداء. لكن قصة النجاح في صناعة الحياة وإنقاذ البشرية المدنية، من أكبر حجم ممكن لظلال الحروب والصراعات، كلها انطلقت في مثل هذه الغيوم السوداء، لكن المصلحين بددوها، وخلقوا مكانها دوحات سلام أحيت ملايين الخلق، ومن أحيا نفساً واحدة فقد أحيا الناس جميعا، فكيف بملايين البشر. إن المراجعة الدقيقة الواعية لسيرة الرسول الأكرم، سيد هذا الشرق، ومبشر حضارته الكبرى، وأتحدث هنا عن قراءة تفصيلية مكثفة لسيرته صلى الله عليه وسلم، وليس قولا عاطفيا مستحقا لخاتم الأنبياء، وإنما مراجعات فكرية وفلسفية عميقة. هذه المراجعة تؤكد يقينا، أن سيرته العملية وخطابه الفكري لكل الناس ولكل البشرية، وحتى في أوقات الصراع، يجنح إلى تأمين أكبر قدر من السلام الاجتماعي واحتواء الجماعات البشرية، دون أن يمنعه ذلك من أداء حق البلاغ لدعوة الإنقاذ الكبرى في رسالة السماء، وعليه فحديثنا هنا ليس مقطوعا عن شريعة سيد الخلق، وفكرها السامي بل من دوحتها العظمى وربيعها الزكي. ولكي تتضح الفكرة بعناصر محددة نطرحها هنا، بأمل أن تتبناها دول مؤمنة كليا أو جزئياً بفكرتها، أو مؤسسات أو جماعات فكرية فاعلة، وهي قبل ذلك منظومة أفكار يحتاج الوعي الإسلامي اليوم إليها بضرورة قصوى، وأن يُتوقف معها أمام كم هائل من خطاب تشريع القتل والكراهية والتحريض، الذي يُهيمن على وجدان قطاعات كبيرة من أبناء المشرق العربي. 1- قاعدة التأسيس هنا، تَعبُر محاور الخلاف والصراع المشتعلة في دول الصراع إلى نظريات ومعادلات جامعة، درءا لمفسدة أكبر ولو بقي الخلاف والصراع، بالحفاظ على حياة الناس من كل فريق، ومنع وصول الحريق للمتبقي من بلدان الشرق الإسلامي. 2- إطلاق حوار اجتماعي إسلامي بين أهل القبلة في الشرق ووضع خريطة تصور مركزية له، ومرحلية، وإطلاق بيان يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات، بين الطوائف والجماعات والأعراق في الشرق. 3- من المهم جداً أن يكون هناك إعداد كبير لمثل هذه الثقافة، وجمع أكبر قدر ممكن من المتوافقين عليها من زعامات دينية وسياسية، والأهم تحويلها لحلقات نقاش وقناعة المجتمع الشبابي الجديد بها من كل الاتجاهات. 4- هذا الحوار لابد أن يتزامن مع حوار يعالج بعض الخلافات ويخرج إلى بنية مشتركة، وخاصة بين المدرستين لسلف المذاهب الأربعة، ومن خلفهم في منهجهم، والسلفية المعاصرة بكل أطرافها المعتدلة وحتى المتشددة منها، وكذلك الحوار السلفي الصوفي الذي من الطبيعي أن يجري، وفقاً لآليات واختيارات بين صفوف المعتدلين وهم كُثر، ولكن رياح الفتن تطمرهم. 5- حين تنضج الأفكار الرئيسية، تتحول ورش عمل العلماء والمفكرين إلى قضايا سياسية، لإطفاء أي حالة حرب وعنف تعيشها بلدان الشرق، وخاصة المصادمات الأمنية الكبرى التي تكاد تتحول إلى حرب أهلية. 6- ليس مسؤولية تحالف السلام الإسلامي مواجهة أي الفريقين ولا الاقتراحات عليهم في أفكارهم الرئيسية ورؤاهم، وإنما التركيز هو في قضية وقف العنف، والمصادمة الاجتماعية الشرسة، وتحويلها الى مدارات سلمية كبرى لحياة الناس. 7- هذا في المرحلة الأولى، أما إذا نضجت مستويات القبول لدى المتوافقين فممكن إعداد سكة مصالحات سياسية، تؤمّن أمن بلدان الشرق وأهلها ببعد استراتيجي أكبر. إنها لحظة تاريخ فارقة في زمن الشرق، تكاد بؤره المتفجرة أن تأتي عليه من أسفله ومن فوقه، وقد أعد الغرب بشقيه، عدته للاقتسام بعد أن تأتي الحرب على الأخضر واليابس، وحتى شركائه المشرقيين في التنفيذ لن يسلموا، أفلا يبادرون لنجاتهم وخطاب القرآن الأعظم يكرر عليهم أفلا تعقلون، والعقل هو طريق الأمن، وبعده تطلق رسل الإصلاح بين الناس.