يأتي انعقاد «القمة العربية - اللاتينية الرابعة» التي احتضنتها المملكة العربية السعودية، في ظل تحولات خطيرة تعصف بالمنطقة العربية، حيث تبرز أهمية التحول والانفتاح نحو التكتلات الكبرى؛ لتعزيز المواقف العربية، وحل كثير من القضايا العربية العالقة. كما كانت هذه القمة التي احتضنت 34 دولة -12 دولة من أمريكا الجنوبية، و22 دولة عربية- أشبه بتظاهرة سياسية دولية كبرى تعكس الدور المتصاعد للمملكة على المستويين الإقليمي والدولي، في تعزيز التعاون الدولي، وثقل وقوة السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان، ودورها وتأثيرها الحقيقي على مجريات كثير من الملفات المهمة والشائكة في العلاقات الدولية. كانت هناك مجموعة ملفات ساخنة حضرت بقوة في اجتماع القمة، يتقدمها الملف الفلسطيني، الملف السوري، الملف اليمني، ملف إيران وتدخلها في الشؤون الداخلية للمنطقة، وكذلك ملف الإرهاب. ما يمكن التقاطه من البيان الختامي لهذه القمة عدة أمور.. أولها: التوافق السياسي بين المجموعتين تجاه العديد من القضايا والمسائل الدولية، فقد خرج البيان متوافقا مع المواقف العربية تجاه كثير من القضايا الجوهرية: كالقضية الفلسطينية، والملف السوري، والملف اليمني، وملف الإرهاب وغيرها. وبالتالي يمكن لهذا التقارب أن يكون مدخلا للعمل الجاد والتعاون المستمر بين المجموعتين؛ للمساهمة في حل القضايا الشائكة والمعقدة في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية خاصة أن موقف المجموعة متوافق تماما مع الموقف العربي في ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية الرامية لإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدسالشرقية على حدود سنة 1967م. إن المملكة العربية السعودية ودول الخليج يمكن كذلك من خلال تعميق علاقاتها مع المجموعة اللاتينية أن تعمل على تنويع تحالفاتها السياسية؛ لمواجهة تحديات البيئة الأمنية غير المستقرة في هذه الفترة، وكذلك لإعادة التوازن مع الشركاء التقليديين في حال أي تحول أو تغير في مواقفها، مما قد يهدد مصالح دول الخليج الحيوية بالمنطقة أو يهدد أمنها واستقرارها. الأمر الثاني: تعزيز المصالح الاقتصادية للمجموعتين، فهذا التوافق السياسي يمكن أن يكون أساسا خصبا وصحيا لتعزيز المصالح الاقتصادية، فدول أمريكا اللاتينية تتطلع بشكل كبير إلى جذب الاستثمارات العربية والخليجية لتمويل كثير من مشاريعها الكبيرة، خاصة في مجالي البنية الأساسية والسياحة. أيضا تشكل هذه الدول (اللاتينية) سوقاً رئيسية لاستيراد النفط والغاز. وبالتالي يمكن لدول الخليج والدول العربية تطوير هذه العلاقات وفتح أسواق جديدة أو تطوير الأسواق القديمة في هذه المنطقة. أيضا في ظل انخفاض النفط، يمكن للدول الكبار في هذه المجموعة كفنزويلا وغيرها من الدول الكبيرة المؤثرة في سوق النفط أن تلعب دورا كبيرا في المحافظة على توازن الأسعار. أضف الى ذلك انه في ظل المفاوضات الجارية بين مجلس التعاون الخليجي والدول الكبرى كالاتحاد الأوروبي وغيرها حول اتفاقية التجارة الحرة، فإن تطوير العلاقات الاقتصادية مع هذه التكتلات الاقتصادية (اللاتينية) وغيرها سيساعد على تقوية قدرة دول الخليج التفاوضية مع الشركاء التقليدين، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي حول منطقة التجارة الحرة. يمكن كذلك "للدول الخليجية الاستفادة من الخبرة البرازيلية في مجال التقنيات البيولوجية لتعزيز الزراعات في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة التي تغطي معظم مساحة منطقة الخليج، خاصة أن البرازيل خبيرة في هذا المجال". الأمر الأخير، إعادة التنسيق بين الدول العربية، استطاعت هذه القمة أن تكون فرصة كبيرة لإعادة التنسيق بين الدول العربية، ومن أمثله هذا التنسيق التوقيع على إنشاء مجلس تنسيق سعودي - مصري، لتنفيذ «إعلان القاهرة». في ظل الوضع الراهن فإن تنسيق المواقف والجهود بين الدول العربية أمر ضروري ومهم وينعكس بشكل أساسي على استقرار وأمن الخليج. فالأمن في الخليج يرتبط ارتباطا عضويا بالأمن العربي، وهو جزء لا يتجزأ منه وامتداد له، فكلما زاد الأمن والاستقرار في المنطقة انعكس ايجابا على أمن الخليج وموارده الاقتصادية.